والأولى أن يعتبر العدد المذكور، ويحمل على ظاهره، لكنه يمكن أن يكون الله قد زاده بناء على طلب الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد روى أحمد والبيهقي عن أبي هريرة "فاستزدت ربي فزادني مع كل ألف سبعين ألفا" وعند أحمد من حديث أبي بكر الصديق "أعطاني مع كل واحد من السبعين ألفا سبعين ألفا" والروايات في الزيادة كثيرة ومختلفة، والعلم عند الله وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وقد ورد في مجموع الروايات وصف السبعين ألفا بأربع صفات هي: أنهم كانوا لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون.
٢ - أما الكي.
فقد روى البخاري عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن كان في شيء من أدويتكم شفاء ففي شرطة محجم، أو لذعة بنار، وما أحب أن أكتوي" كما روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الشفاء في ثلاثة: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنهي أمتي عن الكي" فأول هذا الحديث يفيد عموم الجواز، حيث نسب الشفاء إليه، وآخره يفيد الكراهية، وروى أحمد وأبو داود والترمذي عن عمران قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكي، فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا" والنهي في هذا الحديث محمول على الكراهية، لأنه لو كان للحرمة ما فعلوه.
وقال الحافظ ابن حجر: إنما نهى عنه مع إثباته الشفاء فيه إما لكونهم كانوا يرون أنه يحسم المادة بطبعه، فكرهه لذلك، ولذلك كانوا يبادرون إليه قبل حصول الداء، لظنهم أنه يحسم الداء، فيتعجل الذي يكتوي التعذيب بالنار، لأمر مظنون، وقد لا يتفق أن يقع له ذلك المرض، يقطعه الكي، ثم قال: لا يترك الكي مطلقا، ولا يستعمل مطلقا، بل يستعمل عند تعينه طريقا إلى الشفاء مع مصاحبة اعتقاد أن الشفاء بإذن الله تعالى، وعلى هذا يحمل حديث المغيرة رفعه "من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل" أخرجه الترمذي. اهـ.
وقال ابن أبي جمرة: علم من مجموع كلامه صلى الله عليه وسلم في الكي أن فيه نفعا، وأن فيه مضرة، فلما نهى عنه علم أن جانب المضرة فيه أغلب، وقريب منه إخبار الله تعالى أن في الخمر منافع، ثم حرمها لأن المضار التي فيها أعظم من المنافع. اهـ.
وقال الخطابي: الكي يستعمل في الخلط الباغي الذي لا تنحسم مادته إلا به، ولهذا كانت العرب تقول في أمثالها: آخر الدواء الكي، وقد كوى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وغيره، واكتوى غير واحد من الصحابة. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: ولم أر في أثر صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتوى. اهـ.
ومجمل القول في الكي: أنه جائز للحاجة، وأن الأولى تركه إذا لم يتعين علاجا، وأنه إذا تعين رفع الحرج عمن يفعله بنفسه، وعمن يفعله بغيره. والله أعلم.