المسؤولية، لما عرف عنه من العلم والفضل والورع، ثم هو من أهل بدر، وشهدها وهو ابن إحدى وعشرين سنة.
وقد زوده رسول الله صلى الله عليه وسلم بوصية تحدد له الخطوات الواجب عليه اتباعها في مهمته السامية الصعبة.
قال له: إنك ستكون بمثابة حاكم على اليمن بقوانين الإسلام، ناشر لتعاليم الدين بين قوم أكثرهم من أهل الكتاب، وهم أهل علم وجدل، تحتاج دعوتهم إلى حكمة وسعة صدر، وقوة حجة، وتوقد فكرة.
فتدرج معهم في الدعوة، وعاملهم بالتي هي أحسن، وليكن أول شيء تدعوهم إليه هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا قالوها وأقروا بها، وعرفوا الله تعالى ووحدانيته، وآمنوا برسوله فأعلمهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، وفصلها لهم وعرفهم كيفيتها، وأمهم في صلاتهم ليتعلموها، فإن هم قبلوا وأذعنوا وصلوا، فأعلمهم أن الله فرض على الأغنياء منهم زكاة تجمع من أموالهم، وتفرق بين الفقراء، قدر يسير معلوم يطهر أموالهم وينميها، ويحوطها بالبركة، ويربط أواصر المحبة بين طبقات الأمة الواحدة، فإن استجابوا ورضخوا، فخذ منهم صدقاتهم ولا تلزمهم إخراج كرائم أموالهم ونفائسها، التي أحبوها واختصوها بفضل على غيرها، فلم يجعل الله مواساة الفقراء على حساب الإجحاف بالأغنياء.
وتجنب الظلم عامة، وفي أخذ الصدقات خاصة، واحرص على العدل دائما، واحذر دعوة المظلوم، ولا تعرض نفسك لأن يدعو عليك، فإن دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاسقا، تفتح لها أبواب السموات السبع، ولا يحول بينها وبين القبول حائل، وليس بينها وبين إجابتها حجاب.
وحافظ معاذ على الوصية، وظل قائما على اليمن إلى أن قدم في عهد أبي بكر، ثم توجه إلى الشام فمات بها بالطاعون سنة سبع عشرة من الهجرة، وله من العمر أربع وثلاثون سنة.
-[المباحث العربية]-
(بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم) المبعوث إليه محذوف، أبرز في الرواية الثانية والثالثة في قول ابن عباس: بعث معاذا إلى اليمن.
(إنك تأتي قوما) المضارع هنا مراد به الاستقبال، وقد صرح بحرف الاستقبال في الرواية الثانية، وفي الرواية الثالثة "تقدم على قوم" بفتح التاء والدال، قال في القاموس: قدم كنصر وعلم، والتي معنا من باب علم، وهي بمعنى أقدم يقدم.
(من أهل الكتاب) وفي الرواية الثالثة "قوم أهل كتاب" وهذا الوصف كالتوطئة للوصية، ليستجمع همته عليها، ويوفر العناية في دعوتهم، فمخاطبة أهل الكتاب ينبغي أن لا تكون كمخاطبة الجهال من عبدة الأوثان.