تكونوا ربع أهل الجنة" فحمدنا الله وكبرنا. ثم قال "والذي نفسي بيده! إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة" فحمدنا الله وكبرنا. ثم قال "والذي نفسي بيده! إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة. إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود. أو كالرقمة في ذراع الحمار".
٣٩٦ - كلاهما عن الأعمش بهذا الإسناد غير أنهما قالا: "ما أنتم يومئذ في الناس إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض" ولم يذكر: "أو كالرقمة في ذراع الحمار".
-[المعنى العام]-
ما أحوج القلوب بين الحين والحين إلى ما يبعث فيها الوجل، وما يثير فيها الخوف من عقاب الله، وإذا كان ترك المعادن يصيبها بالصدأ الذي لا يذهب إلا بما يجليها، فإن ترك القلوب يصيبها بالران والغفلة، انشغالا بشهوات الحياة الدنيا، وعلاجها العظة والتذكير بما بعد الموت من جزاء، ومن أجل هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخول أمته بالموعظة، وبتذكيرهم الهول الجسيم في يوم القيامة. قال لهم يوما بمنى، وقد جلسوا حوله نحوا من أربعين رجلا، في قبة من جلد مدبوغ. قال: أول من يدعى يوم القيامة آدم، فتتراءى له ذريته، وقد طال بهم الموقف العظيم، وبلغ بهم العرق ما بلغ. فيقول الجبار: عز وجل. يا آدم. فيقول لبيك وسعديك، والخير في يديك. فيقول له: أخرج من ذريتك بعث جهنم ووجههم إليها، انظر ما يرفع إليك من أعمالهم، وأخرج نصيب النار من بينهم، فيقول: يا رب. كم أخرج؟ فيقول: أخرج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فعندئذ يشيب الولدان، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.
وارتاع الصحابة عند سماع هذا الحديث، وشق ذلك عليهم، وظهرت الكآبة والحزن على وجوههم، وأنشئوا يبكون. قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. ما دهاكم؟ قالوا: يا رسول الله، إذا أخرج إلى النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون فماذا يبقى بعد ذلك؟ من منا ذلك الواحد من الألف: ثم عادوا يبكون.
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشروا، وسأحدثكم بقلة المسلمين في الكفار يوم القيامة، إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض، فلم يكفكف ذلك القياس دمعهم، ولم يطمئنوا منه على مصيرهم، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ واستعظم ذلك الصحابة، وفرحوا، إنهم لم يكونوا يتصورون -بعد أن