للشمس ضوء، فإذا اشتد هو ضياء، أما النور فهو الحاصل في الشيء من مقابلته المضيء بالغير، فالذي نراه على الأرض من مقابلتها القمر الذي استمد ضوءه من مقابلته الشمس هو نور، وحسبنا القرآن الكريم إذ يقول {جعل الشمس ضياء والقمر نورا}[يونس: ٥].
والحاصل أن الضياء فرط الإنارة، وإنما قرن بالصبر الذي هو حبس النفس لأنه عمل الذات والداخل، بخلاف الصلاة فإنها عمل الأركان والجوارح التابعة للباطن.
(والقرآن حجة لك أو عليك) أي إن أخلصت في تلاوته وعملت به كان حجة لك، وإلا كان حجة عليك، والخطاب لكل من يتأتى خطابه، وقيل: المعنى أنه الحكم الفصل عند التنازع فتحتج به أو يحتج به عليك.
(كل الناس يغدو) أي يبكر ويسعى ويعمل، والغدو السير أول النهار.
(فبائع نفسه) معطوف على "يغدو" أي كل الناس بائع نفسه، إما لله تعالى بطاعته إياه، وإما للشيطان والهوى باتباعهما، ففي الكلام استعارة تصريحية تبعية، شبه قطع العمر وعمل الدنيا في مقابل ما بعد الموت بالبيع، والمراد كل الناس يعمل دنياه.
(فمعتقها أو موبقها) أي فمنهم معتقها ومخلصها من العذاب، ومنهم موبقها أي مهلكها، والتعبير بالمسبب وإرادة السبب، أي فمنهم من يعمل عملا يكون سببا في تخليصها وبعدها عن النار، ومنهم من يعمل عملا يكون سببا في عذابها.
-[فقه الحديث]-
يتناول الحديث فضل الطهور، والذكر، والصلاة، والصدقة، والصبر، والقرآن.
أما الطهور فقد قال النووي: اختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم "الطهور شطر الإيمان" فقيل: معناه أن الأجر ينتهي تضعيفه إلى نصف أجر الإيمان، وقيل: معناه أن الإيمان يجب ما قبله من الخطايا، وكذلك الوضوء، لأن الوضوء لا يصح إلا مع الإيمان، فصار لتوقفه على الإيمان في معنى الشطر، وقيل: إن للإيمان شطرين: تطهير السر من خبائث النفس، وتطهير الجوارح، فمن طهر ظاهره للوقوف بين يدي الله جاء بنصف الإيمان، فإذا طهر سره كمل إيمانه، وقيل: المراد بالإيمان هنا الصلاة، كما قال تعالى {وما كان الله ليضيع إيمانكم}[البقرة: ١٤٣] والطهارة شرط في صحة الصلاة، فصارت كالشطر، وليس يلزم في الشطر أن يكون نصفا حقيقيا قال: وهذا القول أقرب الأقوال. ثم قال: ويحتمل أن يكون معناه أن الإيمان تصديق بالقلب، وانقياد بالظاهر، وهما شطران للإيمان، والطهارة متضمنة الصلاة، فهي انقياد في الظاهر، والله أعلم. اهـ.
والذي اختاره الإمام النووي، واعتبره أقرب الأقوال هو بعيد الاحتمال، لأن تفسير الإيمان في قوله تعالى {وما كان الله ليضيع إيمانكم} بالصلاة أحد التفسيرات البعيدة، وفيه مجاز لا ضرورة له، ثم