إنه في الحديث يضعف القصد والهدف، إذ قولنا: الوضوء شرط الصلاة لا يعطي فضل الوضوء والترغيب فيه، ولا يأتي بمعنى جديد للمخاطبين الذين لم يصلوا منذ شرعت الصلاة إلا بالوضوء.
وعندي أن الهدف من الحديث هو الترغيب في استصحاب الوضوء، كما أن الغرض من المذكورات الخمسة بعده هو الحث على الإكثار منها والإخلاص فيها، لتكثير الثواب لا لتحصيل أصل الفعل.
وحيث كان الهدف كذلك كان المعنى أن الطهور كشطر الإيمان، فكما يحرص المؤمن على استصحاب الإيمان كاملا في كل حين ينبغي أن يحرص على استصحاب الوضوء في كل حين، وكما أن الإيمان الكامل وقاية للمؤمن من الوقوع في المحرمات، فإن الوضوء سلاح المؤمن ضد إغواء الشيطان، فالوضوء كشطر الإيمان في انبغاء استصحابه في كل حين، وأما الذكر فقد رغب فيه في الحديث بعبارتين:"الحمد لله تملأ الميزان""وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض" وظاهره أفضلية التحميد والتسبيح على سائر الأذكار، ويؤيده ما رواه مسلم عن أبي ذر قلت: يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله قال: "أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده" وفيه تلميح بقوله تعالى عن الملائكة {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك}[البقرة: ٣٠]. لكن يعارضه ما رواه الترمذي والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم "أفضل الذكر لا إله إلا الله".
ومن هنا قال بعضهم: التهليل أفضل، لأنه صريح في التوحيد، والتسبيح متضمن له، ولأن نفي الإله في قوله "لا إله إلا الله" فيه نفي ما يضاده ويخالفه من النقائص، فمنطوق "لا إله إلا الله" توحيد، فيكون "لا إله إلا الله" أفضل، لأن التوحيد أصل، والتنزيه ينشأ عنه.
وقال الحافظ ابن حجر: الذكر بلا إله إلا الله أرجح من الذكر بالحمد لله، فقد أخرج النسائي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "قال موسى: يا رب، علمني شيئا أذكرك به قال: قل لا إله إلا الله" الحديث، وفيه "لو أن السموات السبع، وعامرهن، والأرضين السبع، جعلن في كفة، ولا إله إلا الله في كفة لمالت بهن لا إله إلا الله" قال: وملء الميزان بالحمد لله في حديث أبي مالك الأشعري يدل على المساواة، والرجحان في حديث النسائي صريح في الزيادة، فيكون أولى. اهـ.
وجمع القرطبي بما حاصله: إن هذه الأذكار إذا أطلق على بعضها أنه أفضل الكلام أو أحبه إلى الله فالمراد: إذا انضمت إلى أخواتها، بدليل حديث سمرة عن مسلم "أحب الكلام إليه أربع، لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" ويحتمل أن يكتفى في ذلك بالمعنى، فيكون من اقتصر على بعضها كفى، لأن حاصلها التعظيم والتنزيه، ومن نزهه فقد عظمه، ومن عظمه فقد نزهه. اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يجمع بأن تكون "من" مضمرة في قوله "أفضل الذكر لا إله إلا الله" وفي قوله "أحب الكلام" بناء على أن لفظ "أفضل وأحب" متساويان في المعنى. اهـ.
وقال النووي: هذا الإطلاق في الأفضلية محمول على كلام الآدمي، وإلا فالقرآن أفضل الذكر. اهـ.