للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أما الدلك في غسل الوجه واليدين والرجلين في الوضوء، وفي جميع الجسم في الغسل (وهو إمرار اليد على العضو مع الماء أو بعده) ففيه خلاف:

ذهب مالك وأصحابه والمزني من الشافعية إلى وجوبه في الوضوء والغسل، مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة في الغسل "ادلكى جسدك بيدك" والأمر للوجوب، ولا فرق على المذهب بين الوضوء والغسل، وبأنه من مسمى الغسل، أو شرط فيه. قاله الحطاب والنفراوي. وقال مالك في المدونة في الجنب يأتي للنهر فينغمس فيه انغماسا وهو ينوي الغسل من الجنابة، ثم يخرج. قال: لا يجزئه وإن نوى الغسل، إلا أن يتدلك. قال: وكذا الوضوء أيضا. قلت: أرأيت إن أمر يديه على بعض جسده ولم يمررها على جميع الجسد؟ قال: لا يجزئه ذلك حتى يمرهما على جميع جسده كله ويتدلك. اهـ.

وذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه سنة، واستدلوا بالأحاديث الكثيرة الواردة في صفة الوضوء والغسل التي ليس فيها التصريح بالدلك.

والحق أن ما ذهب إليه الإمام مالك تضييق وتعسير، وإلزام بما هو متعذر، فإن بعض أماكن الظهر مثلا لا يمكن لليدين الوصول إليها إلا بصعوبة، اللهم إلا أن يأمر باستعمال حبل ونحوه، مما لم يؤثر أن عائشة (رضي الله عنها) قد أمرت به، نعم الدلك فيما يتيسر دلكه من الأعضاء مطلوب احتياطيا.

٥ - وفي غسل اليدين إلى المرفقين تقول الرواية الأولى "ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك" وتقول الرواية ٤٠١ "ويديه إلى المرفقين ثلاث مرات" وتقول الرواية ٤١٦ "فغسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين" وتقول الرواية ٤١٩ "ويده اليمنى ثلاثا، والأخرى ثلاثا".

ولما كنا سنفرد لتثليث الغسل في الوضوء فصلا خاصا، فإننا نقصر الكلام هنا على الترتيب بين اليدين، وعلى غسل المرفقين نفسيهما، وعلى تخليل الأصابع، أما تقديم اليمنى على اليسرى فقد نصت عليه بعض الروايات، وفيه يقول النووي: وأجمع العلماء على أن تقديم اليمين على اليسار من اليدين والرجلين، في الوضوء، سنة لو خالفها فاته الفضل، وصح وضوؤه، وقالت الشيعة: هو واجب. ولا اعتداد بخلاف الشيعة: واعلم أن الابتداء باليسار -وإن كان مجزيا- فهو مكروه، نص عليه الشافعي، وهو ظاهر. وقد ثبت في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما بأسانيد حميدة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا لبستم أو توضأتم فابدءوا بأيامنكم" فهذا نص في الأمر بتقديم اليمين، ومخالفته مكروهة أو محرمة، وقد انعقد إجماع العلماء على أنها ليست محرمة، فوجب أن تكون مكروهة، ثم اعلم أن من أعضاء الوضوء ما لا يستحب فيه التيامن، وهو الأذنان، والكفان، والخدان، بل يطهران دفعة واحدة، فإن تعذر ذلك كما في حق الأقطع ونحوه قدم اليمين. والله أعلم. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>