وأما المرفقان فقد قال النووي: اتفق الجماهير على وجوب غسل المرفقين، وانفرد زفر وداود الظاهري بقولهما: لا يجب. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: وقد اختلف العلماء هل يدخل المرفقان في غسل اليدين أم لا؟ فقال المعظم: نعم، وخالف زفر، وحكاه بعضهم عن مالك، واحتج بعضهم للجمهور بأن "إلى" في الآية {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق}[المائدة: ٦] بمعنى "مع" كقوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم}[النساء: ٢] وتعقب بأنه خلاف الظاهر، وأجيب بأن القرينة دلت عليه، وهي كون ما بعد "إلى" من جنس ما قبلها. اهـ.
وقال الزمخشري: لفظ "إلى" يفيد معنى الغاية مطلقا: فأما دخولها في الحكم وخروجها فأمر يدور مع الدليل، فقوله تعالى:{ثم أتموا الصيام إلى الليل}[البقرة: ١٨٧] دليل عدم الدخول النهي عن الوصال، وقول القائل: حفظت القرآن من أوله إلى آخره، دليل الدخول كون الكلام مسوقا لحفظ جميع القرآن، وقوله تعالى:{إلى المرافق} لا دليل فيه على أحد الأمرين، قال: فأخذ العلماء بالاحتياط، ووقف زفر مع المتيقن. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: ويمكن أن يستدل لدخولهما بفعله صلى الله عليه وسلم، ففي الدارقطني بإسناد حسن من حديث عثمان في صفة الوضوء، "فغسل يديه إلى المرفقين حتى مس أطراف العضدين"، وفيه عن جابر قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه" وفي البزار والطبراني من حديث وائل بن حجر في صفة الوضوء "وغسل ذراعيه حتى جاوز المرفق" فهذه أحاديث يقوي بعضها بعضا، وقد قال الشافعي في الأم: لا أعلم مخالفا في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء، فزفر محجوج بالإجماع قبله على هذا، وكذا من قال بذلك من أهل الظاهر، ولم يثبت ذلك عن مالك صريحا، وإنما حكى عنه أشهب كلاما محتملا. اهـ.
وقال الأبي -وهو مالكي المذهب- ويغسل المرفق عند مالك والكافة لا لأنه من اليد، بل لأن "إلى" بمعنى "مع" وأيضا فلأن حد الشيء إذا كان من جنسه دخل في حكمه، وعند مالك لا يجب وأنكره عبد الوهاب. اهـ.
وأما تخليل الأصابع: فإن في الروايات الواردة به مقالا فلا تنهض دليلا على الوجوب، فهي محمولة على الندب جمعا بينها وبين سائر الروايات الصحيحة الكثيرة التي لم يذكر فيها التخليل، ولذا ذهب الجمهور إلى استحباب تخليل أصابع اليدين والرجلين، والأكمل في تخليل اليدين أن يضع بطن الكف اليمنى على اليسرى، ويدخل الأصابع بعضها في بعض، وفي الرجلين أن يكون بخنصر اليد اليسرى، بادئا بخنصر الرجل اليمنى خاتما بخنصر الرجل اليسرى، لما فيه من السهولة والمحافظة على التيامن.
وما ذكرناه من ندب تخليل أصابع اليدين والرجلين إنما هو إذا كان الماء يصل إليهما من غير تخليل، فلو كانت الأصابع ملتفة، لا يصل الماء إليها إلا بالتخليل فحينئذ يجب التخليل لا لذاته، لكن لأداء فرض الغسل. ذكره ابن سيد الناس. والله أعلم.