يجزئ الغسل، محتجين بقراءة الجر في قوله تعالى {وامسحوا برءوسكم وأرجلكم} قالوا: وهي قراءة صحيحة سبعية مستفيضة، وجعلوا قراءة النصب عطفا على محل "برءوسكم".
كما يشير بقوله "ولا يجب المسح مع الغسل" إلى ما ذهب إليه بعض أهل الظاهر من أنه يجب الجمع بين الغسل والمسح.
وقد ذهب محمد بن جرير الطبري والجبائي والحسن البصري إلى أنه مخير بين الغسل والمسح لاختلاف القراءتين.
ويوجه الجمهور قراءة الجر بأن الجر للجوار، وقد أجازه جماعة من أئمة الإعراب كسيبويه والأخفش كما في قوله تعالى:{إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم}[هود: ٢٦] حيث جر "أليم" على الجوار ليوم، وإن كان صفة للعذاب، وحملت عليه هذه القراءة مع أنه قليل نادر لمداومته صلى الله عليه وسلم على غسل الرجلين، وعدم ثبوت المسح عنه من وجه صحيح وتوعده على المسح بقوله "ويل للأعقاب من النار" ولإجماع الصحابة على الغسل، وهناك جواب ثان، وهو أن الأرجل عطفت على الرءوس، لأنها تغسل بصب الماء عليها فكانت مظنة الإسراف المنهي عنه، لا لتمسح ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها، وجيء بالغاية ليعلم أن حكمها مخالف لحكم المعطوف عليه، لأنه لا غاية في الممسوح، قاله الزمخشري، وجواب ثالث وهو أن قراءة الجر للمسح، لكن في حالة لبس الخف. وقراءة النصب على الغسل عند عدم الخف. قال الحافظ أبو بكر بن العربي: قراءتا النصب والجر مشهورتان وبينهما تعارض، والحكم في تعارض الروايتين كالحكم في تعارض الآيتين، وهو أنه إن أمكن العمل بهما مطلقا يعمل، وإن لم يمكن يعمل بهما بالقدر الممكن، وهنا لا يمكن الجمع بين الغسل والمسح في عضو واحد في حالة واحدة، لأنه لم يقل به أحد من السلف، ولأنه يؤدي إلى تكرار المسح، لأن الغسل يتضمن المسح، والأمر المطلق لا يقتضي التكرار، فيعمل في حالتين، فيحمل في قراءة النصب على ما إذا كانت الرجلان باديتين، وتحمل قراءة الخفض على ما إذا كانتا مستورتين بالخفين، توفيقا بين القراءتين وعملا بهما بالقدر الممكن. اهـ.
وسيأتي مزيد إيضاح لغسل الرجلين في باب إسباغ الوضوء، وغسل الأعقاب.
هذا وفي غسل الكعبين نفسيهما ما في غسل المرفقين من خلاف سابق، وكذلك في تقديم الرجل اليمنى على اليسرى ما في تقديم اليد اليمنى من أحكام.
وفي تخليل أصابع الرجلين ما في تخليل أصابع اليدين، وقد سبق الكلام عنه في النقطة الخامسة من شرح هذه الأحاديث. والله أعلم.
٩ - ومن العطف بثم بين الأعضاء في بعض الروايات يؤخذ وجوب الترتيب بين أركان الوضوء، وبه قال الشافعي، وهو المشهور عن أحمد، واستدلوا بأنه صلى الله عليه وسلم لم يتوضأ إلا مرتبا، ولو لم يجب لتركه في وقت بيانا للجواز، وبما رواه النسائي من قوله صلى الله عليه وسلم "ابدءوا بما بدأ الله به" ورواه مسلم بلفظ "نبدأ بما بدأ الله".