للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويتهاوى، وترتعد جوانبه، ويتفاقم في كل يوم صدعه، ويتسع خرقه، وترجف الأرض من تحته، وهو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، المسئول أمام الله عن دينه في أرضه. فماذا تراه يفعل؟

إن من أبرز صفات أبي بكر لينه في خلقه، ورقة قلبه، وإرهاف حسه إلى حد اشتهر معه في المواقف المؤلمة بالبكاء، وكل هذه الصفات لا تتناسب والظروف المحيطة بالإسلام.

لكن شاءت إرادة الله أن يتحول أبو بكر من اللين إلى الصلابة، ومن الرقة إلى الشدة، ومن الإرهاف العاطفي إلى خشونة العقل وصرامة الحكمة، ففكر وقرر لكنه ما كان له أن يمضي إلى ما رأى حتى يعرض الخطة على كبار الصحابة، عملا بقوله تعالى: {وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله} [آل عمران: ١٥٩].

فجمعهم، واستعرض الحالة معهم، وأعلن لهم أنه يرى قتال كل من غير وبدل، وأنه يرى العلاج في الحزم، والحكم للسيف.

فقال له عمر بن الخطاب: إذا قاتلنا من ارتد وكفر، ومن ادعى النبوة، ومن تابعه فكيف نقاتل من منع الزكاة وهو يشهد أن لا إله إلا الله وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرني ربي أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله فقد حقن مني دمه، وحفظ مني ماله وحسابه فيما وراء ذلك على الله؟ .

فقال له أبو بكر: أرأيت إذا لم يصلوا؟ فسلم عمر بقتال من امتنع من الصلاة. وسكت وسكت الناس، فقال أبو بكر- وقد سكن قلبه إلى الرأي وشرح الله صدره لتنفيذه - قال بصوت الحكيم الحازم: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الصلاة حق النفس والزكاة حق المال، فمن صلى عصم نفسه، ومن زكى عصم ماله، ومن لم يصل قوتل على ترك الصلاة، ومن لم يزك أخذت الزكاة منه قهرا، فإن نصب لنا الحرب قاتلناه، والله لو منعوني جديا أو حبلا كانوا يعطونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه.

ومرة أخرى سكت عمر وسكت الناس، لكنه في هذه المرة لم يكن سكوت شك أو اضطراب، بل كان سكوت رضى وإذعان، حتى عمر نفسه، لقد شرح الله صدره لخطة أبي بكر، وبان له بالحجة والبرهان أنها الحق، ووافق الجميع على القتال، وجهز أبو بكر جيشا على رأسه خالد بن الوليد لقتال مسيلمة وأتباعه، فنصر الله الإسلام، وقتل مسيلمة باليمامة على يد وحشي قاتل حمزة رضي الله عنه وكان وحشي يقول: قتلت خير الناس في جاهليتي وشرها في الإسلام.

وقتل العنسي بصنعاء، وانفضت جموعهم. وهلك أكثرهم.

ولم يحل الحول إلا وقد أعاد الإسلام نشر لوائه على ربوعه، وتماسك بناؤه، واستمسك به أبناؤه.

فنضر الله وجه أبي بكر، وشكر له صالح سعيه، ورضي عن شهداء المسلمين في حروب الردة, وجزى قادة الإسلام خير الجزاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>