للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد حافظ النبي صلى الله عليه وسلم على السواك محافظة جعلت الشافعية والمالكية يقولون بوجوبه عليه صلى الله عليه وسلم، ويؤيدهم ما رواه البيهقي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث هن على فريضة، وهن لكم تطوع. الوتر والسواك وقيام الليل" ورد الآخرون بأن الحديث ضعيف، وأنه معارض بما رواه ابن ماجه عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما جاءني جبريل إلا أوصاني بالسواك، حتى خشيت أن يفرض علي وعلى أمتي".

وبما رواه أحمد بإسناد حسن عن وائلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب علي".

وإذا جاوزنا حكم السواك بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم وجدنا العلماء يتفقون على أنه سنة لعامة المسلمين، ليس بواجب في حال من الأحوال، لا في الصلاة ولا في غيرها. قال النووي: بإجماع من يعتد به في الإجماع، وحكى الإسفرايني عن داود الظاهري أنه أوجبه للصلاة، وحكاه الماوردي عن داود، وقال: هو عنده واجب، لو تركه لم تبطل صلاته، وحكي عن إسحق بن راهويه أنه قال: هو واجب، فإن تركه عمدا بطلت صلاته، وقد أنكر المتأخرون نقل الوجوب عن داود وقالوا: مذهبه سنة كالجماعة، ولو صح إيجابه عن داود لم تضر مخالفته في انعقاد الإجماع على المختار الذي عليه المحققون والأكثرون. ثم قال النووي: ثم إن السواك مستحب في جميع الأوقات، ولكن في خمسة أوقات أشد استحبابا. أحدها عند الصلاة، سواء كان متطهرا بماء أو بتراب. أو غير متطهر، كمن لم يجد ماء ولا ترابا. الثاني عند الوضوء. الثالث عند قراءة القرآن. الرابع عند الاستيقاظ من النوم. الخامس عند تغير الفم، وتغيره يكون بأشياء. منها ترك الأكل والشرب، ومنها أكل ما له رائحة كريهة، ومنها طول السكوت، ومنها كثرة الكلام، ومذهب الشافعي أن السواك يكره للصائم بعد الزوال إلى غروب الشمس، لئلا يزيل رائحة الخلوف المستحبة. اهـ.

وقد حمل الفقهاء على القول بكراهة السواك للصائم، بل نقل الترمذي أن الشافعي قال: لا بأس بالسواك للصائم أول النهار وآخره، واختاره جماعة من أصحابه منهم أبو شامة وابن عبد السلام والنووي والمزني. قال ابن عبد السلام في قواعده الكبرى: وقد فضل الشافعي تحمل الصائم مشقة رائحة الخلوف على إزالته بالسواك مستدلا بأن ثوابه أطيب من ريح المسك، ولا يوافق الشافعي على ذلك، إذ لا يلزم من ذكر ثواب العمل أن يكون أفضل من غيره، لأنه لا يلزم من ذكر الفضيلة حصول الرجحان بالأفضلية، ألا ترى أن الوتر عند الشافعي في قوله الجديد أفضل من ركعتي الفجر، مع قوله صلى الله عليه وسلم "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" ثم قال: وهذا من باب تزاحم المصلحتين اللتين لا يمكن الجمع بينهما، فإن السواك نوع من التطهير المشروع لأجل الرب سبحانه، لأن مخاطبة العظماء مع طهارة الأفواه تعظيم لا شك فيه ولأجله شرع السواك، وليس في الخلوف تعظيم ولا إجلال، فكيف يقال: إن فضيلة الخلوف تربو على تعظيم ذي الجلال بتطييب الأفواه. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>