وقال الحافظ في التخليص: استدلال أصحابنا بحديث خلوف فم الصائم على كراهة الاستياك بعد الزوال لمن يكون صائما، فيه نظر. اهـ.
والحق أن القول بكراهة السواك للصائم بعد الزوال ضعيف الاستدلال. والأولى قول جمهور الأئمة أن السواك مستحب للصائم أول النهار وآخره. والله أعلم.
كما حمل الفقهاء على بعض المالكية القائلين بكراهة الاستياك في المسجد، لاستقذاره والمسجد ينزه عنه، فقد قال شيخ الإسلام تقي الدين: أما السواك في المسجد فما علمت أحدا من العلماء كرهه، بل الآثار تدل على أن السلف كانوا يستاكون في المسجد، ويجوز أن يبصق الرجل في ثيابه في المسجد ويمتخط في ثيابه باتفاق الأئمة وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه، بل يجوز التوضؤ في المسجد بلا كراهة عند جمهور العلماء، فإذا جاز الوضوء فيه مع أن الوضوء يكون فيه السواك، وتجوز الصلاة فيه والصلاة يستاك عندها فكيف يكره السواك؟ وإذا جاز البصاق والامتخاط فيه فكيف يكره السواك؟ . اهـ.
وقد ثبت أن بعض الصحابة كانوا يضعون أسوكتهم خلف آذانهم، موضع القلم من أذن الكاتب، قال الحافظ ابن حجر: وحكمته أن وضعه في هذا الموضع يسهل تناوله ويذكر صاحبه به. اهـ.
والرواية الأولى من أحاديثنا تطلب السواك عند كل صلاة، والرواية السابعة تطلبه عند كل وضوء، وقد سبقت رواية البخاري "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء" ولا معارضة بين طلب السواك عند كل وضوء وعند كل صلاة، نعم إن كانت الصلاة تعقب الوضوء مباشرة كفى الاستياك عند الوضوء، ويقال له في هذه الحالة استاك عند الصلاة، ولا داعي للاستياك مرة أخرى، كما هو ظاهر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الرواية السابعة.
وقد جاء في بعض كتب الحنفية أنه يكره الاستياك عند الصلاة، معتلا بأنه قد يخرج الدم فينقض الوضوء. قال في الرقاة: وهذا القول لا وجه له. نعم من يخاف ذلك فليستعمل برفق وعلى نفس الأسنان واللسان دون اللثة. اهـ.
والحكمة في مشروعية السواك نظافة الفم والأسنان من فضلات الطعام والشراب وتطييب للرائحة التي تنبعث من المتكلم فلا يتأذى بها المستمع وصيانة الأسنان من الآفات والتسوس، وتقوية لثة المؤمن وقواعد أسنانه وعضلات فمه، ثم هو فوق كونه مطهرة للفم هو مرضاة للرب كما جاء في الحديث، ومن هنا كان مشروعا لمن لا أسنان له، فعن عائشة قلت: يا رسول الله، الرجل يذهب فوه (أي يذهب أسنانه) أيستاك؟ قال: نعم. قلت: كيف يصنع؟ قال: يدخل أصبعه في فيه. رواه الطبراني في الأوسط، فهو مع كونه نظافة عبادة وطاعة كالوضوء.
أما بم يستاك؟ فأفضله عود الأراك، ثم الزيتون، ثم عود أي شجر يصلح لذلك مع طيب الريح، ويحسن أن يكون في غلظ الخنصر، وفي طول الشبر وأن لا يكون شديد اليبس يجرح، ولا رطبا لا يزيل، و (فرشاة الأسنان) المعروفة تقوم مقامه.