للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وذكر ابن العربي أن خصال الفطرة تبلغ ثلاثين خصلة. قال الحافظ ابن حجر ردا عليه: إن أراد خصوص ما ورد بلفظ الفطرة فليس كذلك، وإن أراد أعم من ذلك فلا تنحصر في الثلاثين، بل تزيد كثيرا. اهـ.

وعلى هذا فذكر صيغة "خمس" أو "عشر" لا يقصد به الحصر، فقد قيل: إن مفهوم العدد ليس بحجة، وقيل: بل كان أعلم أولا بالخمس، ثم أعلم بالزيادة، وقيل: بل الاختلاف في ذلك بحسب المقام، فذكر في كل موضع اللائق بالمخاطبين، وهذا الأخير حسن، مع ملاحظة أن ذكر العدد لا يراد به الحصر، أو مع ملاحظة لفظ "من" أي من الفطرة خمس كما في "خمس من الفطرة".

والمحقق فيما ذكر من الخصال يجدها تشترك في ظاهرة نظافة البدن، كما يجدها إلى حكم الندب والاستحباب أقرب منها إلى حكم الوجوب، نعم سنجد خلافا بين العلماء في حكم بعضها، ولكن الظاهر أن القرين بالمقارن يقرن، وإذا كان البعض مقطوعا باستحبابه بلا خلاف، فإن البعض المختلف في استحبابه أو وجوبه يكون الأولى به الاستحباب، لدلالة الاقتران، فإن لفظ "الفطرة" إما أن يراد به السنة، فتكون الخصال العشر سنة، وإما أن يراد به الواجب فتكون الخصال العشر واجبة، أما أن يراد به القدر المشترك بين السنة والواجب ويجمع تحته خصال ذات أحكام مختلفة، فهو مستبعد في الأسلوب الحكيم، ولا يقال: إن القرآن الكريم جمع في الأمر بين المباح والواجب في قوله تعالى: {كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده} [الأنعام: ١٤١] فالأكل مباح، وإيتاء الحق واجب، لا يقال هذا، فإن هناك فرقا بين الآية وبين ما نحن فيه، إذ الآية تكرر فيها الأمر واختلف فيها اللفظ المأمور به "كلوا" "وآتوا" وظاهر الأمر الوجوب -على قول- فصرف عن الأكل بدليل آخر، وبقي الإيتاء على الأصل، أو ظاهر الأمر مطلق الطلب فصرف إلى الوجوب في الإيتاء بدليل آخر، أما الحديث فقد تضمن لفظة واحدة "الفطرة" استعملت في الجميع، فتعين أن تحمل على أحد الأمرين.

ومن هنا أميل إلى القول باستحباب هذه الخصال، وإن كان بعضها في السنة آكد من بعض، لكن يجمعها أن يثاب على فعلها، ولا يعاقب على تركها.

ولنعرض آراء العلماء وأدلتهم في كل خصلة لتوفية الموضوع حقه، فنقول وبالله التوفيق.

أولا: الختان وكيفيته: في الذكر قطع الجلدة التي تغطي الحشفة، وكماله أن تستوعب من أصلها، عند أول الحشفة، وأقله أن لا يبقى منها شيء متدل والعلماء يتفقون على الكيفية الكاملة، ويختلفون في أقله، فترى الماوردي يقول: وأقل ما يجزئ أن لا يبقي منها ما يتغشى به شيء من الحشفة، وإمام الحرمين يقول: حتى لا يبقى من الجلدة شيء متدل، وابن الصباغ يقول: حتى تنكشف جميع الحشفة، وابن كج يقول: يتأدى الواجب بقطع شيء مما فوق الحشفة وإن قل، بشرط أن يستوعب القطع تدوير رأسها.

وكيفيته في الأنثى: قطع جلدة تكون في أعلى فرجها على ثقب البول، فوق مدخل الذكر، كالنواة

<<  <  ج: ص:  >  >>