للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوسخ يجتمع فيه، فيستقذر، وقد ينتهي إلى حد يمنع من وصول الماء إلى ما يجب غسله في الطهارة، وقد يعلق بباطن الظفر الطويل نجاسة عند الاستنجاء، وأقل ما يحمل الظفر الطويل الروائح الكريهة من حك مواضع في الجسم ذات رائحة، وقد أخرج البيهقي والطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فأوهم فيها [أي نسي وأسقط بعضها من تفكيره في أظافر المسلمين] فسئل فقال: "ما لي لا أوهم ورفغ أحدكم بين ظفره وأنملته"؟ (والرفغ بضم الراء وبفتحها مع إسكان الفاء يجمع على أرفاغ، وهي مغابن الجسد، ومناعمه وطياته كالإبط، وما بين الأنثيين والفخدين، وكل موضع يجتمع فيه الوسخ) والمعنى: أنكم لا تقلمون أظفاركم، ثم تحكون بها أرفاغكم فيتعلق به ما في الأرفاغ من الأوساخ المجتمعة.

والأمر لا يحتاج إلى دليل، إذ لو شم كل إنسان أنامله عقب قص أظفاره لآمن بالدليل الحسي البديهي، لكن النساء وبعض الشباب في هذا العصر المبتلى يبالغون في إطالة أظافرهم، حتى نافسوا مخالب الطيور ومناقير النسور باسم المدنية والتقدم الكاذب، والله الهادي إلى سواء السبيل.

قال الحافظ ابن حجر: ويستحب الاستقصاء في إزالة الأظفار إلى حد لا يدخل منه ضرر على الإصبع، واستحب الإمام أحمد للمسافر أن يبقي شيئا من أظفره لحاجته إلى الاستعانة به غالبا، ولم يثبت شيء من الأحاديث في ترتيب الأصابع عند القص، لكن القاعدة الشرعية التيامن في كل شيء.

بل لم يرد شيء في تقديم قص أظافر اليدين على أظافر الرجلين، اللهم إلا القياس على الوضوء، ولم يثبت أيضا شيء في استحباب قص الظفر يوم الخميس، قال الحافظ ابن حجر: وأقرب ما وقفت عليه في ذلك ما أخرجه البيهقي من مرسل أبي جعفر الباقر. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب أن يأخذ من أظفاره وشاربه يوم الجمعة. اهـ. ولعل الملحظ الشرعي التنظيف والتجمل وأخذ الزينة المطلوب لاجتماع يوم الجمعة. والله أعلم.

رابعا: نتف الإبط: قال النووي: وهو سنة بالاتفاق. اهـ. وكأنه لم يعتبر مخالفة ابن العربي المتقدمة، إذ قال: إن الخصال الخمس الواردة في الحديث الأول واجبة.

والأفضل فيه النتف لمن قوي عليه، ويحصل أيضا بالحلق، وبالنورة، فقد أخرج ابن أبي حاتم عن يونس بن عبد العلي قال: دخلت على الشافعي -رحمه الله- وعنده المزين يحلق إبطه، فقال الشافعي: علمت أن السنة النتف، ولكن لا أقوى على الوجع. اهـ.

قال الغزالي: وهو في الابتداء موجع، ولكن يسهل على من اعتاده، قال: والحلق كاف، لأن المقصود النظافة. اهـ. ولما كان ظاهر هذه العبارة التسوية وعدم التفضيل تعقب بأن الحكمة في نتف الإبط: أنه محل للرائحة الكريهة، وإنما ينشأ ذلك من الوسخ الذي يجتمع بالعرق فيه، فيتلبد ويهيج، فشرع فيه النتف الذي يضعفه، فتخف الرائحة به بخلاف الحلق، فإنه يقوي الشعر ويهيجه فتكثر الرائحة لذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>