سادسا: إعفاء اللحية: وقد ورد الأمر به في الرواية الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة، وورد أنه من خصال الفطرة العشر في الرواية الثامنة، ولم يعد من الخمس في الرواية الأولى والثانية.
وجمهور العلماء على أن إعفاء اللحية سنة، وأن حلقها مكروه، والخلاف بينهم في تفسير الإعفاء، هل المراد منه عدم التعرض لها أصلا؟ أو لا يتنافى مع الأخذ من طولها وعرضها؟ أو بعبارة أخرى: اختلفوا في الأفضل، هل هو عدم التعرض لها أو الأخذ منها؟ اختار النووي القول الأول، قال: والمختار تركها على حالها، وأن لا يتعرض لها بتقصير ولا غيره. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: وكأن مراده بذلك في غير النسك، لأن الشافعي نص على استحباب الأخذ منها في النسك. اهـ.
وجمهور العلماء على أنه يجوز أن يأخذ من طولها وعرضها، وحملوا النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصها، وقالوا: إن الرجل لو ترك لحيته، لا يتعرض لها، حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يسخر به، واستدلوا بما أخرجه الترمذي "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها" قال القاضي عياض: يكره حلق اللحية وقصها وتحذيفها. وأما الأخذ من طولها وعرضها إذا عمت فحسن بل تكره الشهرة في تعظيمها كما يكره تقصيرها. اهـ.
ويختلف هؤلاء في الحد الذي ينتهي إليه الأخذ منها، فبعضهم لا يرى حدا ويترك الأمر لفحش الطول وفحش التقصير، فعن الحسن البصري: يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش.
وبعضهم يجعل الحد مقدار قبضة اليد، متمسكا بما روي أن ابن عمر كان يمسك بيده على لحيته، فيزيل ما شذ منها، فيمسك من أسفل ذقنه بأصابعه الأربعة ملتصقة، فيأخذ ما سفل عن ذلك، ليتساوى طول لحيته.
هذا ما عليه جمهور العلماء والمحققين، وشذ جماعة فقالوا بوجوب إعفاء اللحية وتحريم حلقها، معتمدين على الأمر بالإعفاء والإرخاء والإرجاء وجعلوه للوجوب لمخالفة المشركين والمجوس، وغالى هؤلاء الناس حتى رموا مخالفيهم بما يشبه الكفر والتشبه بالمجوس والمشركين.
ونقل النووي عن الغزالي قوله: يكره في اللحية عشر خصال: (١) خضبها بالسواد لغير الجهاد. (٢) وبغير السواد إيهاما للصلاح لا لقصد الاتباع. (٣) وتبييضها استعجالا للشيخوخة لقصد التعاظم على الأقران. (٤) ونتفها إبقاء للمرودة. (٥) وكذا تحذيفها. (٦) ونتف الشيب (ورجح النووي تحريمه لثبوت الزجر عنه). (٧) وتصفيفها طاقة طاقة تصنعا ومخيلة. (٨) وترجيلها. (٩) وتركها شعثة إيهاما للزهد. (١٠) والنظر إليها إعجابا. اهـ.
فوائد:
(أ) قال النووي في شرح المهذب: وأما الأخذ من الحاجبين إذا طالا فلم أر فيه شيئا لأصحابنا، وينبغي أن يكره، لأنه تغيير لخلق الله لم يثبت فيه شيء فكره، وذكر بعض أصحاب أحمد أنه لا بأس به، قال: وكان أحمد يفعله.