للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا هو التفصيل

١ - تبين في المعنى العام أن أهل الردة كانوا صنفين. صنفا ارتدوا عن الدين وعادوا إلى الكفر، وهم الذين عناهم أبو هريرة بقوله: "وكفر من كفر من العرب" وصنفا بقوا على ما كانوا عليه من الإقرار بالشهادتين والتزام الصلاة والصيام والحج، لكنهم أنكروا وجحدوا فرض الزكاة ووجوب تسليمها للإمام بتأويل باطل سيأتي، وهؤلاء هم موضوع المناظرة.

وإطلاق الردة على هؤلاء لدخولهم في غمار أهل الردة، ومناصبتهم الإمام ومشاركتهم المرتدين في منع بعض حقوق الدين، فهو قريب من الإطلاق اللغوي دون الإطلاق الشرعي، فالمرتد في اللغة كل من انصرف عن أمر كان مقبلا عليه، وقد وجد من هؤلاء القوم الانصراف عن الطاعة ومنع الزكاة.

ولهذا لم يؤثر عن الصحابة أنهم سموا هؤلاء كفارا، لأنهم لم يرتدوا حقيقة.

وحقيقة ما يتصفون به شرعا أنهم أهل بغي، إذ البغي الخروج عن طاعة الإمام مغالبة له، والبغاة قسمان: أهل عناد، وأهل تأويل، وللإمام قتال الصنفين على ما سيأتي في قتال البغاة.

وشبهة هذا الصنف أن الخطاب في قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} [التوبة: ١٠٣] خطاب خاص في مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره، وأنه مقيد بشرائط لا توجد فيمن سواه، وذلك أنه ليس لأحد من التطهير والتزكية والصلاة على المتصدق ما للنبي صلى الله عليه وسلم.

ورد هذه الشبهة إنما هو بمنع كون الخطاب في الآية خاصا، وبمنع قصر الشرائط المذكورة في الآية عليه صلى الله عليه وسلم.

وذلك أن خطاب كتاب الله تعالى على ثلاثة أوجه:

(أ) خطاب عام كقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ... } [المائدة: ٦] الآية وكقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام} [البقرة: ١٨٣].

(ب) وخطاب خاص للنبي صلى الله عليه وسلم، لا يشركه فيه غيره، وهو ما أبين به عن غيره، وميز بعلامة التخصص وقطع التشريك، كقوله تعالى: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك} [الإسراء: ٧٩].

(جـ) وخطاب مواجهة للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو وجميع أمته في المراد به سواء، كقوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} [الإسراء: ٧٨] وكقوله {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل: ٩٨] ونحو ذلك من خطاب المواجهة.

ومن هذا الوجه قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} [التوبة: ١٠٣] فهذا الخطاب غير مختص به صلى الله عليه وسلم، وإنما على القائم بعده بأمر الأمة أن يحتذي حذوه في أخذها منهم.

والفائدة في مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم بالخطاب في مثل هذا أنه هو الداعي إلى الله، والمبين

<<  <  ج: ص:  >  >>