عنه معنى ما أراد، فقدم اسمه في الخطاب ليكون سلوك الأمر في شرائع الدين على حسب ما ينهجه ويبينه لهم.
وربما كان الخطاب له مواجهة، والمراد غيره: كقوله تعالى: {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ... } إلى {فلا تكونن من الممترين}[يونس: ٩٤].
فأما التطهير والتزكية لصاحب الصدقة فإن مخرج الصدقة ينال ذلك بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في إخراجها، وكل ثواب موعود به على عمل بر في زمنه صلى الله عليه وسلم فإنه باق غير منقطع، أما الصلاة عليهم أي الدعاء لهم فإنه يستحب للإمام، وعامل الصدقة أن يدعو للمتصدق بالنماء والبركة في ماله، ويرجى أن يستجيب الله ذلك.
وإنما قاتلهم الصديق ولم يعذرهم بالجهل، لأنهم نصبوا القتال، فجهز إليهم من دعاهم إلى الرجوع، وأقام عليهم الحجة، فلما أصروا قاتلهم.
وهذا هو حكم الإسلام فيهم [أهل بغي وليسوا كفارا] وفي ذلك يقول مالك في الموطأ: "الأمر عندنا فيمن منع فريضة من فرائض الله تعالى، فلم يستطع المسلمون أخذها منه كان حقا عليهم جهاده" اهـ.
وليس معنى نفي الكفر عنهم نفيه عن أمثالهم في زماننا، فإن من أنكر فرض الزكاة في هذه الأزمان كان كافرا بإجماع المسلمين، والفرق بين هؤلاء وأولئك أنهم عذروا لقرب العهد بزمان الشريعة الذي كان يقع فيه تبديل الأحكام بالنسخ، وعذروا لأنهم كانوا جهالا بأمور الدين.
أما اليوم- وقد شاع دين الإسلام، واستفاض في المسلمين علم وجوب الزكاة، حتى عرفها الخاص والعام، واشترك فيه العالم والجاهل -فلا يعذر أحد بتأويل يتأوله في إنكارها، وكذلك الأمر في كل من أنكر شيئا مما أجمعت عليه الأمة من أمور الدين، إذا كان علمه منتشرا، كالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان، والاغتسال من الجنابة، وتحريم الزنا والخمر، ونكاح ذوات المحارم، ونحوها من الأحكام، إلا أن يكون رجلا حديث عهد بالإسلام، ولا يعرف حدوده، فإنه إذا أنكر شيئا منها جهلا به لم يكفر، وكان شأنه شأن أولئك القوم في بقاء اسم الدين عليه، ودعوته إليه، أما ما كان الإجماع فيه معلوما عن طريق علم الخاصة، كتحريم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها، وأن القاتل عمدا لا يرث المقتول وما أشبه ذلك من الأحكام فإن من أنكرها لا يكفر، بل يعذر فيها لعدم استفاضة علمها في العامة.
وأما من أقر بوجوب الزكاة وامتنع عن أدائها أخذت منه قهرا، فإن أضاف إلى امتناعه نصب قتال قوتل قتال البغاة.
٢ - وبسط المناظرة أن عمر رأى القتال منفيا بقول: لا إله إلا الله، فإذا قيلت وجب الكف، وهؤلاء المانعون للزكاة يقولونها، ومن قالها عصم نفسه وماله، وكان هذا من عمر رضي الله عنه تعلقا بظاهر الكلام قبل أن ينظر إلى آخره ويتأمل الاستثناء "إلا بحقه" أو أنه فهم قصر الحق على ما ورد في