الذهبي: إنه من الكبائر، وعده الحافظ ابن حجر في كتابه "الزواجر" من الكبائر، لأنه صلى الله عليه وسلم جعل هذا الفعل سببا للعن فاعله، وفعل موجب اللعن كبيرة، كلاعن والديه عن طريق لعن رجل آخر، فيلعن هذا الآخر والديه. وقال بعض العلماء: إنه مكروه. والرأي عندي أن حكمه يختلف باختلاف الطرق والظلال، وموقع البراز منها، ودرجة التضرر من هذا الفعل القبيح، وأقل ما فيه الكراهة. والله أعلم.
سادسا: حكم البول قائما، وحكمته، وأدلته: أما البول قائما فإن الحديث الثامن عشر والتاسع عشر ظاهرهما إباحته، ففيهما "فانتهى إلى سباطة قوم فبال قائما "و" فأتى سباطة خلف حائط، فقام كما يقوم أحدكم، فبال".
وهذا الحديث ذكره حذيفة ردا على تشدد أبي موسى في البول، إذ رأى رجلا يبول قائما. فقال: ويحك. أفلا قاعدا، ثم ذكر قصة بني إسرائيل. فلما بلغ حذيفة روى هذا الحديث كدليل على أن التشديد مخالف للسنة.
والباحث في هذه المسألة يجد الصحابة والسلف الصالح أمامها فريقين كما يجد لكل فريق وجهة نظره ودليله.
الفريق الأول: فمن فريق أبي موسى نجد أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تقول: "ما بال قائما منذ أنزل عليه القرآن" وتقول: "من حدثكم أنه كان يبول قائما فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعدا" رواه أحمد والترمذي والنسائي وآخرون، قال النووي: وإسناده جيد.
ونجد مجاهدا يقول: ما فعله إلا مرة واحدة.
ونجد ابن مسعود يقول: البول قائما من الجفاء.
ونجد إبراهيم بن سعد لا يجيز شهادة من بال قائما.
ونجد جمهور العلماء من الخلف يقولون بكراهة البول قائما. كراهة تنزيه. ويذكرون أن ابن ماجه حكى عن بعض مشايخه أنه قال: كان من شأن العرب البول قائما. فلما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا قالوا: انظروا إليه. يبول كما تبول المرأة. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالفهم في ذلك، فيقعد، لكونه أستر، وأبعد عن نجاسة البول ورذاذه.
ويجيب هذا الفريق عن حديث حذيفة بعدة أجوبة منها:
١ - ما ذكره ابن حبان في سبب قيامه. حيث قال: لأنه لم يجد مكانا يصلح للقعود. فقام لكون الطرف الذي يليه من السباطة كان عاليا، فأمن أن يرتد إليه شيء من بوله.
٢ - وقيل: لأن السباطة كانت رخوة، فخشي لو قعد أن يتخللها البول فيرتد إليه منه شيء.
٣ - وقيل: لعل السباطة كانت نجسة رطبة؛ فخاف إن جلس أن تصيب ثيابه.
٤ - وقيل: إنما بال قائما لأنها حالة يؤمن معها خروج الريح بصوت. فعل ذلك لكونه كان قريبا من الديار، وفي ذلك يقول عمر: البول قائما أحسن للدبر.