٥ - وقيل: إن العرب كانت تستشفى لوجع الصلب بالبول قائما. فربما كان به صلى الله عليه وسلم وجع الصلب إذ ذاك.
الفريق الثاني: ومن فريق حذيفة: عمر، وابنه، وعلي، وأنس، وأبو هريرة وغيرهم من الصحابة. نقل ابن المنذر أنهم بالوا قياما. وقال ابن المنذر. البول جالسا أحب إلي، وقائما مباح، وكل ذلك ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونجد في المدونة: لا بأس بالبول قائما، حيث لا يتطاير، وإلا كره. بل استدل مالك بحديث حذيفة على الرخصة في مثل رءوس الإبر من البول. قال الحافظ ابن حجر: وفيه نظر، لأنه صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة لم يصل إلى بدنه منه شيء. اهـ.
وأجاب هذا الفريق عن حديث عائشة بأنه مستند إلى علمها، فيحمل على ما وقع منه في البيوت، وأما غير البيوت فلم تطلع هي عليه، وقد حفظه حذيفة وهو من كبار الصحابة، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه شيء.
وأمام هذه الأدلة والتوجيهات أرى أن القيام والقعود عند البول ليس هدفا للشرع، لذاته، وأنه يخضع للظروف، ظروف المتبول وظروف المكان، والهدف الأساسي البعد عن الرذاذ وإصابة النجاسة، والتستر عن الغير، وسهولة الأداء والاستبراء. والله أعلم.
سابعا:
-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم]-
١ - يؤخذ من الحديث الأول: صبر الصحابة وحكمتهم إزاء ما لا قوة من عنت المشركين واستهزائهم وقلة حيائهم.
٢ - بذاءة لسان المشركين، وتصريحهم بما تستهجنه الأسماع "كالخراءة".
٣ - طهارة لسان المسلمين، وصيانته عن الرد بالمثل.
٤ - ومن الحديث الرابع: أخذ ابن التين المنع من استقبال الشمس والقمر بالبول والغائط، قياسا على المنع من استقبال القبلة. قال العيني: وفي هذا القياس نظر.
٥ - ورع أبي أيوب واستغفاره من غير ذنب، وخوفه من التقصير مع انحرافه عن القبلة.
٦ - ومن الحديث الخامس وغيره: استحباب الكناية بالحاجة والخلاء عن البول والغائط.
٧ - ومن الحديث السادس: جواز الجلوس في المسجد مع إسناد الظهر للقبلة.
٨ - وفيه دليل على أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يختلفون في معاني السنة، وكان كل واحد منهم يستعمل ما سمع.
٩ - وفيه حرص الصحابة على تتبع أحوال النبي صلى الله عليه وسلم كلها، ونقلها، وأنها كلها أحكام شرعية.
١٠ - جواز رؤية الشيء الممنوع، قصدا لغرض مشروع. فقد قيل: لعل ابن عمر قصد أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في تلك الحالة، ورأى رأسه دون ما عداه من بدنه، ثم تأمل قعوده، فعرف كيف هو جالس ليستفيد، وينقل ما شاهد. قاله الكرماني. وقيل: إن رؤية ابن عمر وقعت اتفاقا من غير قصد لذلك،