الحسن البصري -رحمه الله تعالى: حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين. اهـ.
ولإيضاح ما أشار إليه النووي من رأي الشيعة والخوارج والرواية عن مالك نقول:
ذهب الشيعة والخوارج وأبو بكر بن داود الظاهري إلى أنه لا يجزئ المسح عن غسل الرجلين، واستدلوا بآية المائدة {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين}[المائدة: ٦] وبقوله صلى الله عليه وسلم لمن علمه "واغسل رجلك" ولم يذكر المسح على الخفين، وقوله صلى الله عليه وسلم "ويل للأعقاب من النار".
وأجاب الجمهور عن شبههم بأنه قد ثبت المسح عنه صلى الله عليه وسلم بعد نزول آية المائدة، فحديثنا الأول عن جرير بيان عما بعد نزول الآية، ففي أبي داود "فقال جرير لما سئل: هل كان ذلك قبل المائدة أو بعدها؟ قال: ما أسلمت إلا بعد المائدة".
فإن قدح الشيعة في جرير بأنه فارق عليا، فترد روايته. قلنا: إنه لم يفارقه، وإنما احتبس عنه بعد إرساله إلى معاوية لأعذار، وعلى فرض أنه فارق عليا فقد نقل الإجماع من طرق أكابر أئمة الآل وأتباعهم على قبول رواية الصحابة قبل الفتنة وبعدها، فالتخلص من مشروعية المسح بالقدح في هذا الصحابي الجليل مناف لما عليه سائر علماء الإسلام. على أن حديث المغيرة بن شعبة كان عن غزوة تبوك -كما قرره الحافظ ابن حجر، وغزوة تبوك متأخرة بالاتفاق عن آية المائدة. فالقول بنسخ آية المائدة للمسح مردود.
أما استدلالهم بالأمر بغسل الرجلين في الحديث فليس فيه قصر، فهو في حالة عدم لبس الخف، وأما حديث "ويل للأعقاب من النار" فهو وعيد لمن مسح رجليه ولم يغسلهما ولم يرد في المسح على الخفين.
فآية المائدة عامة مطلقا باعتبار حالتي لبس الخف وعدمه، فتكون أحاديث الخفين مخصصة أو مقيدة، ولا نسخ.
أما الإمام مالك فقد تضاربت الروايات في النقل عنه، وفي تفسير هذا المنقول، ففي الأبي [المسح على الخفين في الحضر والسفر أجازه مالك مرة، ومنعه مرة، وأجازه مرة في السفر دون الحضر، ورواية المنع شاذة أنكرها أكثر أصحابه، وأظن صيغتها أنه قال "لا أمسح" فإن كانت هكذا فهو شيء أخذ به في نفسه، وإن كان لفظ الرواية يقتضي المنع فهو لأنه قدم الآية على الحديث، وروي عنه ما ينحو إلى ذلك، قال "إنما هي أحاديث وكتاب الله أحق أن يتبع" وقال القاضي عياض: في النوادر من طريق ابن وهب قال مالك: "لا أمسح في سفر ولا حضر" وهي في المبسوط بنص أجلي، قال ابن نافع: قال لي عند موته: المسح في السفر والحضر يقين لا شك فيه، ولكني كنت آخذ في نفسي بالطهور، فمن مسح فلا أراه مقصرا. وقال ابن العربي: رواية