فإن لبس في الحضر، وأحدث ومسح، ثم سافر أتم مسح مقيم، لأنه بدأ بالعبادة في الحضر، فلزمه حكم الحضر، وإن مسح في السفر، ثم أقام أتم مسح مقيم، قالوا: لأنها عبادة تتغير بالسفر والحضر، فإذا اجتمع فيها السفر والحضر غلب حكم الحضر، ولم يقسط عليهما، كالصلاة، فإن من صلى في سفينة في السفر، فدخلت دار الإقامة، وقد صلى ركعة، لزمه الإتمام بالإجماع، ولا يوزع فيقال: يتمها ثلاث ركعات مثلا.
ويبطل المسح بالجنابة، ويجب نزع الخف والاغتسال، كذلك يبطل المسح بانتهاء المدة، وينزع الخفين أو أحدهما من الرجل، ومن خلع خفيه أو انقضت مدته، وهو على طهارة المسح ففيه أربعة مذاهب، قيل: يكفيه غسل القدمين وهو الراجح من مذهب الشافعية، وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد، وقيل: يلزمه استئناف الوضوء، وهو أصح الروايتين عن أحمد. وقيل: إن غسل رجليه عقب النزع كفاه، وإن أخر حتى طال الفصل استأنف الوضوء، وبه قال مالك والليث. وقيل: لا شيء عليه، لا غسل القدمين ولا غيره، بل طهارته صحيحة، يصلي بها ما لم يحدث، كما لو لم يخلع. وهو محكي عن داود واختاره ابن المنذر.
ويجرنا هذا إلى التساؤل: هل المسح على الخفين يرفع الحدث عن الرجلين؟ أو لا يرفع الحدث عنهما، وإنما يبيح الصلاة والعبادة؟ ذهب الجرجاني في التحرير إلى أنه لا يرفع الحدث، لأنه طهارة تبطل بظهور الأصل، فلم ترفع الحدث، كالتيمم، ولأنه مسح قائم مقام الغسل، فلم يرفع الحدث كالتيمم والجمهور على أن الأصح أنه يرفع الحدث، لأنه مسح بالماء، فيرفع كمسح الرأس، ولأنه يجوز أن يصلي به فرائض، ولو كان لا يرفع لما جمع به فرائض كما هو الشأن في التيمم. والله أعلم.
-[خامسا: ويؤخذ من حديث المغيرة برواياته التسع فوق ما تقدم]-
١ - جواز الصلاة في الخفاف، لأن قوله في الرواية الثالثة "ثم مسح على خفيه، ثم صلى" ظاهر في أنه صلى في خفيه، لأنه لو نزعهما بعد المسح لوجب غسل رجليه، ولو غسلهما لنقل.
٢ - جواز الاستعانة في الوضوء. قال النووي: وهي على ثلاثة أقسام: إحداها: أن يستعين في إحضار الماء، فلا كراهة فيه. الثاني: أن يستعين في غسل الأعضاء، ويباشر الأجنبي بنفسه غسل الأعضاء، فهذا مكروه إلا لحاجة. والثالث: أن يصب عليه، فهذا مكروه في أحد الوجهين، والأولى تركه [ولا يقال: كيف يقال عن فعل فعله الرسول صلى الله عليه وسلم: الأولى تركه؟ لأن الصحابة كانوا يتبركون بمعاونته صلى الله عليه وسلم، فلا يقاس عليه غيره في مثل هذا].
٣ - وفيه خدمة العالم.
٤ - وقد أخذ منه المتصوفة اختصاص الشيخ بخادم يقتصر عليه، فإن المغيرة أحد الأحرار المختصين بخدمته صلى الله عليه وسلم في السفر، كأنس في الحضر ذكره الأبي.