ينجس بوقوع النجاسة فيه فهو حرام لما فيه من تلطخه بالنجاسة وتنجيس الماء. قاله النووي في شرح مسلم. والله أعلم.
منهم من يقول: إنه نجس، فالنهي في "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب" للتحريم، والعلة ما يسببه هذا الاغتسال من تنجيسه.
ومنهم من يقول: إنه طاهر في نفسه غير مطهر لغيره، فالنهي للتحريم أيضا، والعلة ما يسببه هذا الاغتسال من صيرورته غير صالح لتطهير غيره.
ومنهم من يقول: إنه طاهر في نفسه مطهر لغيره، فالنهي للكراهة، والعلة ما يسببه هذا الاغتسال من الاستقذار.
ولنعرض لهذه المذاهب وأدلتها بشيء من التفصيل.
فأبو يوسف، وأبو حنيفة في روايتين عنه على أنه نجس، وإحدى الروايتين تقول بالنجاسة المخففة، والأخرى بالنجاسة المغلظة.
واحتج لهما بقوله صلى الله عليه وسلم في رواية أبي داود في سننه "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه، ولا يغتسل فيه من الجنابة" قالوا: فهذا الحديث جمع بين البول والاغتسال، والبول ينجس الماء، فكذا الاغتسال. ورد هذا الاستدلال بأن دلالة الاقتران ضعيفة، لا يلزم اشتراك القرينين في الحكم، فقد قال تعالى:{كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده}[الأنعام: ١٤١] فقد قرن الأكل والإيتاء، ولم يشتركا في الحكم، إذ الأكل مباح، والإيتاء واجب، ثم إن هذا الحديث رواه البخاري ومسلم بلفظ "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ثم يغتسل منه"، [روايتنا الثانية] فهو نهي عن الاغتسال في الماء الدائم الذي حصل فيه البول، وفي روايتنا الرابعة "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب" وليس فيها الاقتران بين البول والاغتسال. فهاتان الروايتان خلاف رواية أبي داود، وروايتهما رواية الحافظ عن أبي هريرة.
قالوا: إنه نجس لأنه أدى به فرض طهارة فكان نجسا، كالمزال به نجاسة.
ورد بأنه قياس مع الفارق لأن المزال به نجاسة إنما حكمنا بنجاسته لملاقاته محلا نجسا فانتقلت إليه النجاسة، بخلاف الماء المستعمل، فإنه لاقى طاهرا، فمن أين تأتيه النجاسة؟
وعلل نجاسته بعضهم بأنه ماء الذنوب، فيجب إبعاده، محتجا بما جاء في مسلم "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن، فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيا من الذنوب".