توفي والد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حمل في بطن أمه، فكفله جده عبد المطلب، حتى مات ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الثامنة من عمره، فكفله عمه أبو طالب، وكان فقيرا كثير العيال، فأنزل محمدا منزلة أعز أبنائه، بل كان يصحبه في أسفاره البعيدة ويترك أولاده، خشية أن يشعر في غيابه بالوحشة ومرارة اليتم، وعلمه التجارة، ثم زوجه خديجة.
ولما بعث صلى الله عليه وسلم وقام المشركون يعادونه ويؤذونه وقف أبو طالب يحميه ويدافع عنه، وأرسلت قريش إلى أبي طالب أن يوقف محمدا صلى الله عليه وسلم عن دعوته أو يخلي بينهم وبينه ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولته المشهورة "والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه" سانده عمه وشد من أزره، وطمأنه على استمرار حمايته بقولته الخالدة: اذهب يا ابن أخي فقل ما شئت، وادع من شئت فوالله لا أخذلك، ولا أسلمك إليهم أبدا.
ورضي أبو طالب أن تعاديه قريش من أجل محمد صلى الله عليه وسلم، وقبل الحصار الاقتصادي، والمقاطعة الاجتماعية في شعب بني طالب ثلاث سنين من أجل محمد صلى الله عليه وسلم.
وما أن نقضت صحيفة المقاطعة، وخرجوا من الشعب حتى مرض أبو طالب مرضه الأخير، فقالت قريش مستهزئة ساخرة: أرسل إلى ابن أخيك يرسل إليك من هذه الجنة التي يذكرها دواء يشفيك.
فلم يعبأ أبو طالب بهذا الاستهزاء وأرسل إلى ابن أخيه يدعوه لجواره في لحظاته الأخيرة، حبا فيه وحنانا عليه، فقدم إليه صلى الله عليه وسلم، فوجد عنده رأسي الشرك أبا جهل وابن أبي أمية.
ورأى صلى الله عليه وسلم عمه يحتضر، وكم كان صلى الله عليه وسلم حريصا على الخير له، حريصا على مكافأته على جميله، ورد بعض أياديه، وإنها للفرصة الأخيرة، وزمنها ضيق محدود، وإنه صلى الله عليه وسلم ليدرك أن وجود هذين الشيطانين سيضعف وصوله إلى قلب عمه، وحبذا لو لم يكونا في هذا المجلس، ولكنه ماذا يفعل؟ الدقائق تمضي، واللحظات الحاسمة قريبة، فليتعلق بالأمل رغم العقبات، وليحاول رغم الصعاب، وليبذل غاية جهده من أجل مصير عمه، كما ضحى عمه بالكثير من أجل مصيره.
فقال: يا عم، إنك أعظم الناس علي حقا، وأحسنهم عندي يدا، ولأنت أعظم عندي حقا من والدي، فقل كلمة صغيرة، خفيفة على اللسان، أشفع لك بها عند ربي يوم القيامة. قل: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أضمن لك بها الجنة.
وخاف الشيطانان أن يلين قلب أبي طالب لابن أخيه، وأحسا منه ترددا أو ميلا، فقالا: يا أبا طالب. أترغب عن دين أبيك في آخر حياتك؟ أتترك ملة عبد المطلب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم،