قل الكلمة أشهد لك بها عند الله، فقال الشيطانان: يا أبا طالب، أنت فينا من قد علمت، وأنت الرشيد، فلا تترك دين أبيك.
فنظر أبو طالب إلى ابن أخيه نظرة إشفاق وقال له: يا ابن أخي. لولا أن يكون عارا لم أبال أن أفعل.
فكرر رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض كلمة التوحيد، فكرر الشيطانان الصد عن سبيل الله، فأعاد أبو طالب مقالته: يا ابن أخي، لولا أن تعير بها. فيقال: جزع عمك وخاف من الموت فقالها، لقلتها، وأقررت بها عينيك.
ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عليه كلمة التوحيد، ولا يزالان به يحميانه ويثيران أنفته حتى كانت آخر كلمة تكلم بها قوله: هو على ملة عبد المطلب. فقال صلى الله عليه وسلم تطييبا لخاطره. ووفاء لفضله: والله لأستغفرن لك ربي وأدعوه من أجلك ما حييت، ما لم أنه عنك. ونزعت روحه من جسده وأحس صلى الله عليه وسلم بالأسى والأسف العميقين، فوجهه القرآن الكريم إلى التسليم لله، والرضى بقضائه، ولو كان على غير هواه، فقال له جل شأنه:{إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين}[القصص: ٥٦] وطمع صلى الله عليه وسلم في فضل الله، فأخذ يستغفر لعمه بعد وفاته، كما أخذ يستغفر لأمه وأبيه، فقال المسلمون: ما يمنعنا أن نستغفر لآبائنا ولذوي قرابتنا؟ قد استغفر إبراهيم عليه السلام لأبيه، ومحمد صلى الله عليه وسلم لأمه وأبيه وعمه، فأنزل الله تعالى:{ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم}[التوبة: ١١٣].
-[المباحث العربية]-
(لما حضرت أبا طالب الوفاة) بتقديم المفعول به على الفاعل، والمراد من حضور الوفاة قربها، ففيه مجاز المشارفة، أو حضور دلائلها وعلاماتها، ففيه مجاز بالحذف.
(يا عم)"عم" منادى مضاف لياء المتكلم المحذوفة، فهو منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة تخفيفا.
(قل: لا إله إلا الله) قيل: إن كلمة التوحيد كناية عن الشهادتين شرعا، لأنه لا يثبت حكم الإسلام إلا بهما، وقال ابن المنير: قول "لا إله إلا الله" لقب جرى على النطق بالشهادتين شرعا. وقال بعضهم: يحتمل أنه لم يسأله إلا كلمة التوحيد، لأنه كان يعلم صحة رسالته صلى الله عليه وسلم. وهذا القول ضعيف.
(كلمة) منصوبة على البدل من مقول القول، أو على الاختصاص، ويصح رفعها على أنها خبر لمبتدأ محذوف.