وتعلقوا بحديث ابن عباس المرفوع "من أتى امرأة وهي حائض، فليتصدق بدينار أو نصف دينار" وهو حديث ضعيف باتفاق الحفاظ، فالصواب أن لا كفارة. وعلى فرض صحة الحديث تكون الصدقة على الاستحباب.
القسم الثاني: المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة، وبالذكر، أو بالقبلة أو المعانقة، أو اللمس أو غير ذلك. وهو حلال باتفاق العلماء. وقد نقل الشيخ أبو حامد الإسفراييني وجماعة كثيرة الإجماع على هذا، وأما ما حكي عن عبيدة السلماني وغيره من أنه لا يباشر منها شيئا بشيء منه فشاذ منكر غير معروف ولا مقبول، ولو صح عنه لكان مردودا بالأحاديث الصحيحة المشهورة المذكورة في الصحيحين وغيرهما في مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم فوق الإزار، وإذنه في ذلك بإجماع المسلمين قبل المخالف وبعده.
ثم إنه لا فرق بين أن يكون على الموضع الذي يستمتع به شيء من الدم، أو لا يكون؛ هذا هو الصواب المشهور الذي قطع به جماهير أصحابنا وغيرهم من العلماء للأحاديث المطلقة، وحكى المحلي من أصحابنا وجها لبعض أصحابنا أنه يحرم مباشرة ما فوق السرة وتحت الركبة، إذا كان عليه شيء من دم الحيض. وهذا الوجه باطل، لا شك في بطلانه.
القسم الثالث: المباشرة فيما بين السرة والركبة، في غير القبل والدبر، وفيها ثلاثة أوجه لأصحابنا، أصحها عند جماهيرهم، وأشهرها في المذهب أنها حرام والثاني أنها ليست بحرام، ولكنها مكروهة كراهة تنزيه، وهذا الوجه أقوى من حيث الدليل وهو المختار. والوجه الثالث: إن كان المباشر يضبط نفسه عن الفرج، ويثق من نفسه باجتنابه، إما لضعف شهوته، وإما لشدة ورعه جاز، وإلا فلا. وهذا الوجه الحسن.
وممن ذهب إلى الوجه الأول، وهو التحريم مطلقا مالك وأبو حنيفة وهو قول أكثر العلماء، وممن ذهب إلى الجواز عكرمة ومجاهد والشعبي والنخعي والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل ومحمد بن الحسن وأبو ثور وابن المنذر وداود، واحتجوا بحديث أنس الآتي "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" قالوا: وأما اقتصار النبي صلى الله عليه وسلم في مباشرته على ما فوق الإزار فمحمول على الاستحباب.
ثم قال النووي: واعلم أن تحريم الوطء والمباشرة على قول من يحرمهما يكون في مدة الحيض، وبعد انقطاعه إلى أن تغتسل، أو تتيمم إن عدمت الماء بشرطه، هذا مذهبنا ومذهب مالك وأحمد وجماهير السلف والخلف. وقال أبو حنيفة: إذا انقطع الدم لأكثر الحيض -وهو عشرة أيام عنده- حل وطؤها في الحال، واحتج الجمهور بقوله تعالى:{ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله} اهـ.
وقال داود الظاهري: إذا غسلت فرجها حل الوطء، واحتج لأبي حنيفة بأنه يجوز الصوم والطلاق قبل الغسل، فكذا الوطء، لأن تحريم الوطء هو للحيض وقد زال، وصارت كالجنب، ومن الإنصاف القول بأن القياس مع أبي حنيفة والنص مع الجمهور. والله أعلم.