كرم الله ابن آدم، وميزه عن الحيوانات بالعقل والستر، فكما خلق فيه الإدراك والتمييز والاستعداد للعلم. خلق فيه الانطباع على اللباس والتستر، بل جعل الحياة الكريمة مرتبطة بالغذاء والكساء، يوم قال الله تعالى لآدم حين أسكنه الجنة {إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى}[طه: ١١٨] وكان طبيعيا حين وسوس الشيطان لآدم وحواء، وحين نزع عنهما لباسهما، وحين بدا لهما ما ووري عنهما من سوآتهما، أن طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ويستران به عوراتهما.
وبهذه الطبيعة نزل آدم إلى الأرض، وعلم بنيه ستر العورة، وسارت ذريته بحكم الجبلة على المحافظة على اللباس، ومن لم يجد لم يفرط في ستر السوأتين: قبله ودبره.
نعم قد تخالف هذه الطبيعة سفها وشذوذا في بعض العصور والبيئات المنحرفة، فنسمع أن بني إسرائيل كانوا يغتسلون عراة مجتمعين، ينظر بعضهم إلى عورة بعض، ونسمع أن الرجال والنساء كانوا قبل الإسلام يطوفون بالكعبة عراة، ويقولون: لا نعبد الله في ثيات أذنبنا فيها، ونرى في هذه الأيام على شواطئ البحار الرجال والنساء شبه عراة، ونرى المرأة المسلمة وقد كشفت عن ساقيها، بل فخذيها في بعض الأحبان.
مخالفات للطبيعة، ومخالفات للمروءة، ومخالفات للحياء ومكارم الأخلاق وقد جاءت الشريعة الإسلامية ترسم للبشرية المثل العليا، والطريق القويم للحياة الدنيوية والأخروية، وأعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم قانون السماء: لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا الرجل إلى عورة المرأة، ولا المرأة إلى عورة الرجل، فإن الله لعن الناظر والمنظور، لعن الناظر لاستخدامه نعمة العين فيما حرم الله، نعم نرجو عفو الله عن النظرة الأولى التي تقع على المحرم عفوا ودون قصد، وبدافع الحاجة إلى تمييز الطريق وإمكان المشي والحركة، لكن النظرة الثانية، ومد النظرة الأولى لحظة فوق تلك اللحظة جرم وإثم كبير، فهي سهم من سهام إبليس، بل سهم مسموم قلما يطيش، ولعن المنظور لتقصيره في حدود الله، وارتكابه ما حرم الله بكشف ما وجب ستره؛ وإثارة مشاعر الناظرين وغرائزهم، وفتح أبواب الشر، وغرس بذور الفتنة والافتتان.
كانت هذه الفقرة الأولى من قانون السماء، وكانت الثانية "لا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد" أي كما وجب حفظ العورة عن النظر، وجب حفظها عن اللمس، إذ الأخطار المترتبة على أحدهما تنتج عن الآخر، وما يحتمل من شر في أولهما هو محتمل من باب أولى في ثانيهما، والإسلام يحرص على إغلاق الروافد، وسد الذرائع.
مع إعلان القانون باللسان نجد العمل والقدوة الصالحة، يضربها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، ويتحدث بها عن أحد إخوته الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وصدق الله العظيم {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}[الأحزاب: ٢١].