للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إن اللباس العربي يتكون من إزار ورداء، فالإزار ثوب طويل يلف حول الوسط ويغطي من فوق السرة إلى ما تحت الركبة، والرداء ثوب يغطي الجسم من الكتفين إلى ما يقرب من القدمين غالبا، فالإزار زيادة في الاحتياط والأمن والتوثيق من ستر العورة.

وقبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم قامت قريش ببناء الكعبة، ومحمد فتى من فتيانها، عرف بالمروءة والشهامة، وما كان لها أن تبني دون مساهمة منه في بنائها، ومشاركة فعلية قوية في أعمالها، فقام بحمل الحجارة على كتفه ونقلها، حتى جرح كتفه أو كاد، ورآه عمه يتأوه ويتضجر، فقال له: يا ابن أخي لو حللت إزارك فجعلته على كتفك، بين الحجارة وبين جسمك كان ألين وأيسر، فحل صلى الله عليه وسلم إزاره، ولم يكن قد تعود حل الإزار، وتصور أنه عريان، وما هو بعريان، وتصور الناس ينظرون إليه، ينتقصون بذلك من كرامته، فسقط على الأرض مغشيا عليه، وما أفاق إلا وهو يقول: إزاري إزاري. أريد أن أربط إزاري، فربطه وما حله أمام الناس بعد.

بل كان إذا أراد قضاء حاجته ترك رفقته وأبعد، ولم يكتف بالبعد بل يتستر بحائط أو كومة شجر، ثم يقضي حاجته، ولم تكن الدور محكمة البناء ذات حجرات وحمام خاص، كما هو الحال اليوم، فكيف كان يغتسل صلى الله عليه وسلم في خيمته أو في فناء داره؟ هذا ما تحدثنا عنه أم هانئ بنت عمه أبي طالب، والتي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزها ويستريح في بيتها قبل الهجرة، ونزل فيه لحظات يوم الفتح، ثم عاد إلى القبة التي ضربت له عند شعب أبي طالب حيث حصر هو وأهله، جاءته أم هانئ يوم الفتح في خيمته، فوجدته يغتسل وقد أقام ساترا تمسك به فاطمة ابنته، فسلمت عليه، فرد السلام، وكان الساتر كثيفا، فلم يعرف من التي تسلم، فقال: من هذه؟ قالت: أم هانئ. فقال: مرحبا بأم هانئ. فلما فرغ من غسله، التحف في ثوبه، ثم صلى ثماني ركعات سبحة الضحى، فلما انصرف من صلاته قالت: يا رسول الله، أتاني يوم الفتح حموان لي فأجرتهما، فجاء ابن أبي وأمي -تقصد عليا بن أبي طالب- يريد قتلهما [كانت زوجة لهبيرة وكان له أولاد من غيرها، منهم ولدان قاتلا خالدا ولم يقبلا الأمان ولا إلقاء السلاح، فلما تم دخول مكة لجأ إلى أم هانئ يستجيران بها، وذهب خلفهما أخوها علي، يريد قتلهما فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم] فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم "قد أجرنا من أجرت، وأمنا من أمنت يا أم هانئ".

أما حديثه صلى الله عليه وسلم عن محافظة إخوته الأنبياء على ستر العورة فيتمثل في قصة موسى عليه السلام، وقومه بني إسرائيل. لقد كانوا يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى عورة بعض، وكان موسى عليه السلام، يغتسل وحده، حتى لا يراه أحد، أو ينكشف على عورته إنسان. فقال بعضهم لبعض: ما لموسى لا يغتسل معنا؟ لا نظنه إلا أنه يخفي عيبا علينا، إن به مرضا في خصيتيه يخشى أن نراه فنعيره به لو كان سليما لما تحرج من مشاركتنا والاغتسال معنا، وشاءت حكمة الله أن يبرئ موسى مما قالوا، ويثبت لبني إسرائيل أن موسى كان عند الله وجيها وأنه رسول الله، وعلى يديه تظهر المعجزات الخارقات، شاءت حكمة الله أن يعوض موسى على صبره على إيذاء قومه خيرا، شاءت حكمة الله أن يسخر حجرا يقوم بمهمة دفع الأذى والطعن عن نبي الله. ولقد قام الحجر بما أمر، فما إن خلع موسى ثيابه

<<  <  ج: ص:  >  >>