كما احتجوا بما رواه الطحاوي عن حفصة قالت "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم قد وضع ثوبه بين فخذيه، فجاء أبو بكر، فاستأذن، فأذن له صلى الله عليه وسلم على هيئته ثم جاء عمر بمثل هذه الصفة، ثم جاء أناس من أصحابه والنبي صلى الله عليه وسلم على هيئته، ثم جاء عثمان فاستأذن عليه فأذن له، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه فجلله، قالت: فقلت: يا رسول الله. جاء أبو بكر وعمر وعلي وأناس من أصحابك وأنت على هيئتك، فلما جاء عثمان جللت بثوبك، فقال: "أو لا أستحي ممن تستحي منه الملائكة"؟ .
وأجاب الجمهور عن هذه الأدلة بأن روايتي بناء الكعبة كانت قبل النبوة، فقد قال ابن بطال: كان عمره صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سنة، وقال الزهري: لما بنت قريش الكعبة لم يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم الحلم، وقال هشام: بين بناء الكعبة والمبعث خمس سنين، والمشهور أن بناء الكعبة بعد تزوج خديجة بعشر سنين، فيكون عمره صلى الله عليه وسلم إذ ذاك خمسا وثلاثين، فبناء الكعبة قبل البعثة، ولا يستدل بمثل هذا العمل في التشريع.
وأجابوا عن حديث أنس في خيبر بأنه ليس فيه التصريح بأن المس كان بدون حائل فلا يصح الاستدلال به لتطرق الاحتمال إليه، ولو سلم أنه كان بدون حائل فتلك كانت حالة زحام وشدة، فانكشاف الفخذ كان على غير قصد، يدل لذلك رواية مسلم "فانحسر الإزار عن فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم "وفي بعض روايات البخاري "فحسر الإزار عن فخذ رسول الله" بالبناء للمجهول ولو سلم القصد فإن هذه قضية معينة في وقت خاص وحالة خاصة، يتطرق إليها من الاحتمال ما لا يتطرق للأحاديث الآتية التي تعطي حكما كليا بأن الفخذ عورة.
وأجابوا عن حديث الطحاوي بأنه على هذا الوجه غريب. قال أبو عمر: الحديث الذي رووه عن حفصة فيه اضطراب، وقال البيهقي: قال الشافعي: والذي روي في قصة عثمان من كشف الفخذين مشكوك فيه. وقال الطبري: والأخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل عليه أبو بكر وعمر، وهو كاشف فخذه واهية الأسانيد، لا يثبت بمثلها حجة في الدين، والأخبار الواردة بالأمر بتغطية الفخذ والنهي عن كشفها أخبار صحاح. اهـ.
وقد روى جماعة من أهل البيت حديث الطحاوي على غير الوجه الذي رواه. فقد أخرج مسلم عن سعيد بن العاص أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وعثمان رضي الله عنه حدثاه أن أبا بكر استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة، فأذن لأبي بكر وهو كذلك، فقضى إليه حاجته ثم انصرف ثم استأذن عمر رضي الله عنه، فأذن له وهو على تلك الحال، فقضى إليه حاجته ثم انصرف. قال عثمان: ثم استأذنت عليه فجلس، وقال لعائشة: اجمعي عليك ثيابك، فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت. فقالت عائشة: يا رسول الله، مالي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر، كما فزعت لعثمان؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عثمان رجل حيي، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحالة أن لا يبلغ إلي في حاجته".
وأخرجه الطحاوي أيضا، وقال: فهذا أصل هذا الحديث، ليس فيه ذكر كشف الفخذين أصلا. اهـ.