قال العيني: فإن قلت: روى مسلم أيضا في صحيحه، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيته، كاشفا عن فخذيه -أو ساقيه- فاستأذن أبو بكر، فأذن له وهو على تلك الحال، فتحدث، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك، فتحدث ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسوى ثيابه فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهش له، ثم دخل عمر فلم تهش له ولم تباله، فلما دخل عثمان جلست وسويت ثيابك؟ فقال: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة"؟ قلت: قال الشافعي: إن هذا مشكوك فيه، لأن الراوي قال: "فخذيه أو ساقيه" وقال أبو عمر: هذا حديث مضطرب.
والأحاديث التي استدل بها الجمهور على عورة الفخذين كثيرة، منها ما أخرجه مالك في الموطأ وابن حبان في صحيحه، والترمذي وحسنه وصححه عن ابن جرهد الأسلمي عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو كاشف عن فخذه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "غط فخذك فإنها من العورة" ومنها ما رواه أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه عن أبي كثير مولى محمد بن جحش رضي الله عنه قال "كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فمر على معمر وهو جالس عند داره بالسوق، وفخذاه مكشوفتان، فقال: يا معمر. غط فخذيك فإن الفخذين عورة" ومنها ما رواه الترمذي عن عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الفخذ عورة".
أما مذاهب العلماء في عورة المرأة فقد قال القاضي عياض من المالكية: وعورة المرأة على الأجنبي ما عدا الوجه والكفين. وقيل: ما عدا الوجه. اهـ وقال الأبي: قال أبو عمر: وقيل: ما عدا الوجه والكفين والقدمين.
قال القاضي عياض: وعورتها على ذي المحرم ما سوى الذراعين، وما سوى ما فوق المنحر، وعورتها على المرأة المسلمة عورتها على ذي محرم، وقيل كالرجل مع الرجل. ثم قال: وتستر الحرة في الصلاة ما سوى الوجه والكفين وقال أحمد: تستر حتى الظفر وأجمعوا على أنها تعيد الصلاة إن صلت منكشفة الرأس. واختلفوا في كشف بعضه، فقال الشافعي: إن كشفت بعضه تعيد، وقال أبو حنيفة: إن كشفت أقل من ربعه لم تعد، وكذلك أقل من ربع بطنها أو فخذها، وقال أبو يوسف: لا تعيد في أقل من النصف، وقال مالك: تعيد في الوقت في القليل والكثير من ذلك، وكذا لو صلت منكشفة الصدر والقدمين.
وعند المالكية خلاف طويل في ستر العورة في الصلاة، قيل: الستر فيها واجب وشرط في صحة الصلاة، والكشف حرام، وقيل: الستر واجب وليس شرطا في صحة الصلاة، وقيل: كشفها في الصلاة مكروه.
أما الشافعية والحنفية وعامة الفقهاء وأهل الحديث فإن ستر العورة عندهم فرض في الصلاة، وشرط في صحتها، فرضها ونفلها.
وأما كشف العورة في حال الخلوة ففيه خلاف. قال النووي: كشف الرجل عورته في حال الخلوة