للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بحيث لا يراه آدمي، فإن كان لحاجة، كحالة الاغتسال والبول ومعاشرة الزوجة ونحو ذلك جاز. قال العلماء: والتستر بمئزر ونحوه في حال الاغتسال في الخلوة أفضل من التكشف، وخالف فيه ابن أبي ليلى، وحرم التكشف في الخلوة، وكأنه تمسك بما رواه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يغتسل عريانا وحده، فقال "إذا اغتسل أحدكم فليستتر" وبما أخرجه أصحاب السنن وحسنه الترمذي وصححه الحاكم عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا نبي الله، عوراتنا، ما نأتي منها وما نذر؟ قال "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك" قلت: يا رسول الله أحدنا إذا كان خاليا؟ قال "الله أحق أن يستحيا منه من الناس".

وحمله الجمهور على الندب والأفضل، واستدلوا على جواز الكشف خاليا بحديث موسى عليه السلام، ووجه الدلالة منه -على ما قال ابن بطال- أنه ممن أمرنا بالاقتداء به وقد اغتسل وحده عريانا. قال الحافظ ابن حجر: وهذا إنما يتأتى على رأي من يقول: شرع من قبلنا شرع لنا، والذي ظهر أن وجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم قص القصة، ولم يتعقب فدل على موافقتها لشرعنا، وإلا فلو كان فيها شيء غير موافق لبينه، فعلى هذا يجمع بين الحديثين، فيحمل حديث بهز بن حكيم على الأفضل، ورجح بعض الشافعية تحريم الكشف خاليا لغير حاجة. قال النووي: والزيادة على قدر الحاجة حرام على الأصح. قال الحافظ ابن حجر: والمشهور عند متقدميهم كغيرهم الكراهة فقط. اهـ. وتستر الرسول صلى الله عليه وسلم في الغسل كما في الرواية الأولى والثانية، وفي البول كما في الرواية التاسعة محمول على الأفضل والكمال، أو على حالة خشية رؤية الناس.

قال النووي: ويتساهل كثير من الناس بالاجتماع في الحمام، فيجب على الحاضر فيه أن يصون بصره ويده وغيرها عن عورة غيره، وأن يصون عورته عن بصر غيره ويد غيره، ويجب عليه إذا رأى من يخل بشيء من هذا أن ينكر عليه، قال العلماء: ولا يسقط عنه الإنكار بكونه يظن أن لا يقبل منه، بل يجب عليه الإنكار إلا أن يخاف على نفسه وغيره فتنة اهـ.

وقد نقل ابن بطال عن أئمة الفتوى أن من دخل الحمام بغير مئزر تسقط شهادته بذلك، وهذا قول مالك والثوري وأبي حنيفة وأصحابه والشافعي -رضي الله عنهم- واختلفوا فيما إذا نزع مئزره ودخل الحوض وبدت عورته عند دخوله، فقال مالك والشافعي تسقط شهادته، وقال أبو حنيفة والثوري: لا تسقط شهادته، ويعذر، لأنه لا يمكن التحرز عنه. والله أعلم.

وأما نظر أحد الزوجين لعورة الآخر فقد قال النووي: لكل واحد من الزوجين النظر إلى عورة صاحبه جميعها إلا الفرج نفسه، ففيه ثلاثة أوجه لأصحابنا: أصحها أنه مكروه لكل واحد منهما النظر إلى فرج صاحبه من غير حاجة، وليس بحرام، والثاني أنه حرام عليهما، والثالث أنه حرام على الرجل مكروه للمرأة، والنظر إلى باطن فرجها أشد كراهة وتحريما. اهـ.

وفي نظر عورة الأجنبي والأجنبية يقول النووي: ويحرم نظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة، وكذلك نظر الرجل إلى عورة المرأة والمرأة إلى عورة الرجل بالإجماع. ونبه صلى الله عليه وسلم بنظر الرجل إلى عورة الرجل على نظره إلى عورة المرأة، وذلك بالتحريم أولى، فيحرم

<<  <  ج: ص:  >  >>