"أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام، ثم أمر بالاغتسال بعد" وأخرجه أيضا البيهقي وأحمد، وكذا الترمذي، وقال حديث حسن صحيح وأخرجه أيضا ابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وقال الحافظ ابن حجر: إسناده صالح لأن يحتج به.
فهذا دليل على أن تلك الأحاديث منسوخة، كما تصرح الرواية الثانية بأن الحديث كان ينسخ بعضه بعضا. قال النووي: وأما حديث "إنما الماء من الماء" فالجمهور من الصحابة ومن بعدهم قالوا: إنه منسوخ ويعنون بالنسخ أن الغسل من الجماع بغير إنزال كان ساقطا، ثم صار واجبا. اهـ. وظاهر كلام النووي أن عدم وجوب الغسل في هذه الحالة ثابت بالبراءة الأصلية، والحكم الطارئ على البراءة الأصلية لا يسمى نسخا، وإلا كانت أكثر الأحكام الشرعية ناسخة، وهذا الذي قاله النووي بعيد، لأن مفهوم الحصر في قوله صلى الله عليه وسلم "إنما الماء من الماء" إثبات وجوب الغسل من المني، ونفي وجوب الغسل عن الإيلاج بدون إنزال، فكأنه قال: لا غسل من غير إنزال المني، فالحكم الأول مستفاد من الحديث وليس من البراءة الأصلية.
وقد حاول البعض الوصول إلى هذا الحكم من غير احتياج للنسخ فابن عباس يرى أنه ليس بمنسوخ، بل المراد به نفي وجوب الغسل بالرؤيا في النوم إذا لم ينزل، ففي الترمذي عن ابن عباس قال "إنما الماء من الماء في الاحتلام" وقد ذكر النسائي حديث "الماء من الماء" تحت ترجمة "باب الذي يحتلم ولا يرى الماء" مشيرا إلى تأويل ابن عباس بأن الحديث محمول على ما يقع في المنام من الاحتلام. ورد هذا الاحتمال بأن مورد الحديث "إنما الماء من الماء" في الجماع وليس في الاحتلام، والرواية الأولى في الباب صريحة في ذلك، لا تقبل التأويل ولعل ابن عباس لم يطلع على هذا الحديث بهذه الرواية ولا على الأحاديث الأخرى الصريحة بعدم وجوب الغسل عن الجماع بدون إنزال، كما يحاول البعض تأويل حديث عائشة وحديث أبي بن كعب ونحوهما يحملهما على ما إذا باشرها فيما دون الفرج، لكن هذه الاحتمالات بعيدة عن الصواب. قال العيني: عدم دعوى الاحتياج إلى القول بالنسخ غير صحيح، لأن المستنبطين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ما وفقوا بين أحاديث هذا الباب المتضادة إلا بإثبات النسخ. اهـ.
قال النووي: واعلم أن الأمة مجتمعة الآن على وجوب الغسل بالجماع، وإن لم يكن معه إنزال، وكان جماعة من الصحابة على أنه لا يجب إلا بالإنزال، ثم رجع بعضهم، وانعقد الإجماع بعد الآخرين. اهـ.
وقال ابن القصار: وأجمع عليه التابعون ومن بعدهم بعد خلاف من تقدم، والإجماع يرفع الخلاف، وقد روي أن عمر حمل الناس على ترك الأخذ به حين اختلفوا [كما وضحته في المعنى العام] ولا يعلم من قال به بعد خلاف الصحابة إلا ما روي عن الأعمش وداود. اهـ.
-[ويؤخذ من الحديث بالإضافة إلى ما تقدم]-
١ - استدل بعضهم بقوله "يغسل ما أصابه من المرأة" على نجاسة رطوبة فرج المرأة قال النووي: