وهذا الذي ذكره النووي تعبير عن مذهب الشافعية، أما غيره من المذاهب فيقول اللأبي عن المالكية: وفي سماع ابن القاسم ورواه مطرف: لا غسل على الوطء في الدبر، وروى إسماعيل: لا غسل على نائمة أو مكرهة إلا أن تلتذ، ولا تغتسل الكبيرة بوطء غير المراهق، واختلف في غسل الصغيرة من وطء الكبير؟ والصحيح الغسل. اهـ.
وقال أبو حنيفة: لا يجب الغسل بوطء البهيمة أو الميتة إلا بالإنزال. والله أعلم.
هذا وروايات الباب تصرح بخلاف وقع حول هذه المسألة بين الصحابة، بل اتخذ الخلاف مظهرا طائفيا، فبرز بين المهاجرين والأنصار، ومرجع هذا الخلاف الأحاديث التي لا توجب الغسل، كالروايات الأولى والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة، والأحاديث التي توجبه كالروايات السابعة والثامنة والتاسعة.
ومن المجموعة الأولى ما أخرجه الطحاوي وابن ماجه عن أبي أيوب قال "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل من الأنصار، فأبطأ، فقال: ما حبسك؟ قال: كنت قد أصبت من أهلي فلما جاءني رسولك اغتسلت من غير أن أحدث شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الماء من الماء والغسل على من أنزل" ومنها حديث رافع بن خديج "ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على بطن امرأتي، فقمت، ولم أنزل فاغتسلت، فأخبرته أنك دعوتني وأنا على بطن امرأتي، فقمت ولم أمن فاغتسلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا عليك الماء من الماء" أخرجه الطبراني وأحمد، ومنها حديث عبد الله بن عبد الله بن عقيل، قال "سلم النبي صلى الله عليه وسلم على سعد بن عبادة، فلم يأذن له، كان على حاجته، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم، فقام سعد سريعا فاغتسل، ثم تبعه، فقال: يا رسول الله إني كنت على حاجة، فقمت فاغتسلت فقال النبي صلى الله عليه وسلم الماء من الماء".
ومن المجموعة الثانية ما أخرجه الطحاوي والترمذي عن عائشة قالت "إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم.
وممن رأى أنه لا غسل من الإيلاج في الفرج إن لم يكن هناك إنزال عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود ورافع بن خديج وأبو سعيد الخدري وأبي بن كعب وأبو أيوب الأنصاري وابن عباس والنعمان بن بشير وزيد بن ثابت وجمهرة الأنصار -رضي الله عنهم- وهو قول عطاء بن أبي رباح، وأبي سلمة بن عبد الرحمن وهشام بن عروة والأعمش والظاهرية ووجهة نظرهم الأحاديث الكثيرة الصريحة في عدم إيجاب الغسل إلا من الإنزال، ووجهة نظر الآخرين الأحاديث الموجبة للغسل إذا التقى الختانان، قالوا: والآية تعضد المنطوق في إيجاب الغسل فإنه تعالى قال: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} قال الشافعي: إن كلام العرب يقتضي أن الجنابة تطلق بالحقيقة على الجماع وإن لم يكن فيه إنزال. قال: فإن كان من خوطب بأن فلانا أجنب عن فلانة عقل أنه أصابها وإن لم ينزل، ولم يختلف أن الزنا الذي يجب به الحد هو الجماع، ولو لم يكن معه إنزال، فتعاضد الكتاب والسنة على إيجاب الغسل من الإيلاج. اهـ.
وقالوا عن أحاديث عدم الغسل إنما كان ذلك رخصة للناس، فقد روى أبو داود عن أبي بن كعب