قلت: وبنحو ما استدل به عمران على اجتهاد ابن القاسم من مخالفته لمالك استدل ابن عبد السلام لذلك، وتعقبه ابن عرفة بأنه مزجي البضاعة في الحديث، ونكت ابن غازي على تعقبه بأنه كيف يثبت الاجتهاد لشيوخه كابن عبد السلام وغيره وينفيه عن شيخ هداية المالكية بعبارة فظيعة.
قلت: ولا ريب في إمامة ابن القاسم في الحديث وناهيك بثناء النسائي عليه فيه، كما تقدم، والعجب من الإمام ابن عرفة كيف يثبت الاجتهاد لابن دقيق العيد ونظرائه ثم يقول وفي المازري نظر هل لحقه أم لا ومعلوم أن ابن عبد السلام وابن دقيق العيد لا يبلغان درجة المازري في تفقهه وإمامه.
قال بعض شيوخ العصر: من الأدلة القطعية عندي أن ابن دقيق العيد والسبكي ما بلغوا رتبة الاجتهاد المطلق فأحرى الجلال السيوطي وأضرابه الذين ادعوا هذه المرتبة، وأين مرتبتهم من مرتبة الغزالي وإمام الحرمين في الفقه والإمامة وقوة الذهن؟! تاللَّه لا نسبة بينه وبينهما في شيء من ذلك- اهـ.
قلت: والذي يظهر أن الاجتهاد المذهبي مرتبة متسعة تتفاوت بقوة التمكن وضعفه، فالاتصاف بأدنى درجاتها يدعيها مدعيها، ومع الاتساع الحفظ ومعرفة الأحاديث، بل الوقوف على الأحاديث وبما يخيل لصاحبها مع ذلك وصول درجة الاجتهاد المطلق مع كون من فوقه في تمكن النظر وقوة التفقه ومعرفة المذهب ومداركه لا يدعي تلك الرتبة لعدم اتساعه في الحفظ ومعرفة الأحاديث، فتأمل ذلك فهذا قاسم العقباني والمسناوي والبجائي من أهل المائة التاسعة يصرحون ببلوغ درجة الاجتهاد، والإمام الشاطبي والحفيد ابن مرزوق ينفون ذلك عن أنفسهما، ومعلوم أنهما أقوى علمًا وأوسع باعًا من الذين ادعوها، واللَّه أعلم فتأمل ذلك.
مولد عمران المشذالي سنة سبعين وستمائة، وتوفي سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وله مقالة مفيدة في اتخاذ الركاب من خالص الفضة، نقل عنه في المعيار في مواضع.