وكان فروعيًا مجيدًا، ومحيي الدين حافي رأسه نحويًا أديبًا أنشدني لنفسه:
عتبتُ على الدُّنيا لتقديمِ جاهلٍ ... وتأخير ذي فضلٍ فقالت خُذ العُذرا
ذوو الجهل أبنائي وكلُّ فضيلةٍ ... فأَربابُها أَبناءُ ضرتي الأخرى
فأخذت عنهم ثم رحلت للقاهرة إلى شيخ المالكية في وقته فقيد الاشكال والاقران نسيج وحده وثمر سعده، ذي العقل الوافي والذهن الصافي الشهاب القرافي. كان مبرزًا على النظار محرزًا قصب السبق، جامعًا للفنون معتكفًا على التعليم على الدوام، فأحلَّني محلّ السواد من العين والروح من الجسد، فجلت معه في المنقول والمعقول، فحفظت الحاصل وقرأته مع المحصول، فأجازني بالإمامة في علم الأصول وأذن في التدريس والإفادة، وترددت في أثناء ذلك إلى مجلس الإمام الأوحد العارف بالأصلين الجامع للمذهبين قاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد، كان يدرس مختصر ابن الحاجب ويثني عليه كثيرًا، ويقول: إنه احتوى على أربعين ألف مسألة فاعتكف على حفظه ودرسه، وإلى شيخ العقليات بحر المعاني الشمس الأصبهاني استفدت منه طريقته الرشيقة وأبحاثه الأنيقة، وكان يشكر ذهني ويفضّلني على غيري، وإلى الشرف الكركي، وكان لي معه أبحاث ومذاكرات وغيرهم ممن لا يحصى كثرة.
ولما ظفرت من العلوم بما أردت رجعت إلى وطني فشرعت في الدروس ومالت إليّ النفوس، ولما توليت القضاء ضاق بأُناس متسع القضاء فسلقوني بألسنة حداد، ولي أُسوة بمن تقدم، وكان ذلك سببًا في الظهور وتضاعف الخسران عليهم حتى سكنوا القبور.
في أيام الامتحان ألفت في الأصول [تأليفًا](١) سميته "تلخيص المحصول في علم الأصول" وسهلته بأمثلة، ثم "الفائق في معرفة الأحكام والوثائق" في سبعة أسفار من القالب الكبير، ثم "المذهب في ضبط مسائل المذهب" في ستة