مالك قد تسور على ديواني (البحر المحيط) فسلخ ما فيه من الإعراب بغير إذني وقوّلني فيه ما لم أقل، فإني بريء منه، أو ما هذا معناه. ومع هذا فقد أعطاه الغرب الأذن الصماء وأكبوا على تصنيف الصفاقسي:
والناسُ أكيسُ من أن يمدحوا رَجُلًا ... (ما لم يروا عنده) آثار إحسانِ (١)
- اهـ كلام ابن غازي. قلت: وسيأتي في ترجمة الشيخ منديل ابن الأستاذ ابن آجرّوم أنه الذي وتعت له الواقعة مع أبي حيان، وهو أشبه واللَّه أعلم.
وقال البدر الدماميني: أخبرني بعض الثقات أن الأخوين الصفاقسيين كان أحدهما حافظًا لفروع المالكية، والآخر متفننًا لأصول الفقه واللسانية، فكانا إذا حضرا في مجلس يجتمع فيه فقيه كامل فاتفقا أن حضرا بتونس في مجلس ابن عبد الرفيع قاضي الجماعة، فسألهما عن مسألة فأجابا عنها بنقل ذكراه عن البيان لابن رشد، وتكلما عليها بكلام استحسنه الحاضرون، فلما خرجا من الجلس سئل القاضي ابن عبد الرفيع عنهما فقال: ليسا بفقيهين فسئل لم ذلك؟ فقال: ما أجابا به وإن كان صحيحًا إلا أنهما اعتمدا في النقل على غير المدونة في فرع مذكور فيها، ومرتكب هذا لا يعد عند المالكية فقيهًا، لأن المدونة أجل كتب المذهب من إملاء ابن القاسم أجل تلامذة مالك- اهـ. قلت: وهذا لا يضرّهما إلا إذا كان كتابهما المدونة، وما ذكره الدماميني من أن أحدهما حافظ. . الخ فيه تحامل بالنسبة لصاحب الترجمة.
أما محله من الفقه فتقدم من كلام ابن مرزوق وغيره ما فيه الكفاية، وله شرح عظيم على ابن الحاجب، وأما علم الأصول فنقل أبو العباس البسيلي عن شيخه ابن عرفة أنه قال: إن برهان الدين الصفاقسي عالم بعلم الأصول، وناهيك بشهادة ابن عرفة في ذلك. وأما معرفته بعلوم اللسان فكتاب الإعراب له كاف في بيان درجته. وأما أخوه شمس الدين فذكر ابن فرحون في الأصل أنه كان عالمًا فاضلًا متفننًا، واللَّه أعلم.
(١) ما بين القوسين تصويب من ج وص ١٢٥ الروض الهتون ص ١٨.