التصحيف وانقطعت سلسلة الاتصال فصارت الفتاوى تنقل من كتب لا يدرى ما زيد فيها مما نقص منها، لعدم تصحيحها وقلة الكشف.
كان أهل المائة السادسة وصدر السابعة لا يسوغون الفتيا من تبصرة اللخمي، لأنها لم تصحح على مؤلفها ولم تؤخذ عنه، وأكثر ما يعتمد اليوم هذا النمط ثم انضاف إلى ذلك عدم اعتبار الناقلين فصار يؤخذ من كتب المسخوطين كالأخذ من المرضيين بل لا تكاد تجد من يفرق بين الفريقين، ولم يكن هذا فيمن قبلنا حتى تركوا كتب البراذعي على نبلها ولم يستعمل منها على كره من كثير منهم غير التهذيب وهو المدونة اليوم لشهرة مسائله وموافقته في أكثر ما خالف فيه المدونة لأبي محمد، ثم كلّ أهل هذه المائة عن حال من قبلهم من حفظ المختصرات وشق الشروح والأصول الكبار فاقتصروا على حفظ ما قل لفظه ونزر حظه وأفنوا عمرهم في حل لغوزه وفهم رموزه، ولم يصلوا لرد ما فيه إلى أصوله بالتصحيح فضلًا عن معرفة الضعيف والصحيح، بل حل مقفل وفهم أمر مجمل، ومطالعة تقييدات زعموا أنها تستنهض النفوس، فبينما نستكثر العدول عن كتب الأئمة إلى كتب الشيوخ أتيحت لنا نقييدات للجهلة بل مسودات المنسوخ فإنا للَّه وإنا إليه راجعون، فهذه جملة تهديك إلى أصل العلم وتريك ما غفل الناس عنه- اهـ.
قال المقري: وسمعت العلامة الابلي أيضًا يقول: لولا انقطاع الوحي لنزل فينا أكثر مما نزل في بني إسرائيل، لأنا أتينا أكثر مما أتوا، يشير إلى افتراق هذه الأمة على أكثر مما افترقت عليه بنو إسرائيل، واشتهار بأسهم بينهم إلى يوم القيامة حتى ضعفوا بذلك عن عدوهم وتعدد ملوكهم لاتساع أقطارهم، واختلاف أنسابهم وعوائدهم حتى غلبوا بذلك على الخلافة فنزعت من أيديهم وساروا فى الملك يسير من قبلهم مع غلبة الهوى واندراس معالم التقوى، لكنا آخر الأمم، أطلعنا اللَّه من غيرنا على أقل مما ستر منا، وهو المرجو أن يتم نعمته علينا ولا يرفع جميل ستره عنا.
فمن أشد ذلك اتلافًا لغرضنا تحريف الكلم عن مواضعه الصحيحة إذ