أول من حولها ملكًا والخشونة لينًا {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} فجعلها ميراثًا، فلما أخرجت عن موضعها لم يستقم ملك فيها، ألا ترى أن عمر بن عبد العزيز كان خليفة لا ملكًا لأن سليمان رغب عن بني أبيه إيثارًا لحق المسلمين ولئلا يتقلدها حيًا وميتًا، وكان يعلم اجتماع الناس عليه فلم يسلك طريقة الاستقالة بالناس قط إلا خليفة، وأما الملوك فعلى ما ذكرت إلا من قلّ، غالب أحواله غير مرضية- اهـ.
ومنها: ما ذكره عنه أنه يحضر مجلس السلطان أبي عنان لبث العلم، وكان مزوار الشرفاء بفاس إذا دخل مجلس السلطان قام له السلطان وجميع من في مجلسه إجلالًا له إلا الشيخ المقري فلا يقوم معهم فأحسن المزوار من ذلك وشكاه للسلطان فقال السلطان: هذا رجل وارد علينا نتركه على حاله حتى ينصرف فدخل المزوار يومًا فقام له السلطان وغيره على العادة، فنظر المزوار إلى المقري فقال له: أيها الفقيه مالك لا تقوم كما يفعل، نصره اللَّه، وأهل مجلسه إكرامًا لجدي وشرفي، ومن أنت حتى لا تقوم لي، فنظر إليه المقري فقال له: أما شرفي فمحقق بالعلم الذي أنا أبثه ولا يرتاب فيه أحد، وأما شرفك فمظنون، ومن لنا بصحته منذ أزيد من سبعمائة عام، ولو قطعنا بشرفك لأقمنا هذا من هنا وأشار للسلطان أبي عنان وأجلسناك مجلسه، فسكت المزوار- اهـ.
قال العلامة أبو عبد اللَّه بن الأزق: وعلى اعتذاره ذلك يكون الشرف الآن مظنونًا، فمن معنى ذلك أيضًا ما يحكى عنه أنه كان يقرأ بين يدي السلطان وأبي عنان صحيح مسلم بحضرة أكابر فقهاء فاس وخاصتهم، فلما وصل إلى أحاديث الأئمة من قريش قال الناس: إن أفصح بذلك استوغر قلب السلطان وإن ورى وقع في محظور فجعلوا يتوقعون ذلك، فلما وصل إلى الأحاديث قال بحضرة السلطان والجمهور: إن الأئمة من قريش ثلاثًا، ويقول بعد كل كلمة وغيرهم متغلب، ثم نظع وقال: لا عليك فإن القرشي اليوم مظنون أنت أهل للخلافة إذ توفت فيك بعض الشروط والحمد للَّه، فلما انصرف لمنزله بعث له السلطان ألف دينار- اهـ.