الكبير الصدر القدوة الشريف نسبًا العظيم قدرًا ومنصبًا أبو عبد اللَّه ابن الشيخ الفقيه الجليل الوجيه العاقل العدل المبرز أبي العباس.
كان أحد رجال الكمال علمًا وذاتًا وخُلقًا وخَلقًا، عالمًا بعلوم جمة من المنقول والمعقول، بلغ رتبة الاجتهاد أو كاد، بل هو أحد العلماء الراسخين وآخر الأئمة المجتهدين.
نشأ بتلمسان وقرأ القرآن على الشيخ أبي زيد بن يعقوب، وأخذ عن الإمامين ابني الإمام والقاضي أبي عبد اللَّه بن هدية الرشي والولي الصالح عبد اللَّه المجاصي والقاضي التميمي وأبي عبد اللَّه محمد بن محمد البروني وعمران المشذالي والقاضي ابن عبد النور والقاضي أبي العباس بن الحسن والقاضي علي بن الرماح وابن النجار، ولازم الإمام الابلي كثيرًا وانتفع به، وأخذ أيضًا عن ابن عبد السلام التونسي والعالم السطي بمدينية فاس وغيره. حضرت عليه الأحكام الصغرى لعبد الحق والتهذيب وبعض الموطأ والصحيحن لما قدم رسولًا لفاس عام سبعة وستين وسبعمائة- اهـ.
قلت: وممن صرح ببلوغه درجة الاجتهاد عصريه الإمام الخطيب ابن مرزوق الجد في رسالته التي ردّ فيها على أبي القاسم الغبريني وأثنى عليه كثيرًا، قال ابن خلدون: أخذ العلم بتلمسان عن مشيختها واختص بأولاد الإمام وتفقه عليهما في الأصول والكلام، ثم لزم شيخنا الابلي وتضلع من معارفه واستبحر، وتفجرت ينابيع العلوم من مداركه، ثم رحل لتونس سنة أربعين فلقي شيخنا ابن عبد السلام وأفاد منه واستعظم رتبته في العلم، وكان ابن عبد السلام يصغي إليه ويؤثر محله ويعرف حقه حتى زعموا أن عبد السلام يخلو به في بيته فيقرأ عليه أي على الشريف فصل التصوف من إشارات ابن سينا لأن الشريف قد أحكم الكتاب على الابلي وقرأ عليه ابن عبد السلام أيضًا فصل التصوف من شفاء ابن سينا ومن تلاخيص أرسطو لابن رشد، ومن الحساب والهندسة والهيئة والفرائض، علاوة على ما كان الشريف يحمله من الفقه والعربية وسائر علوم الشريعة، وله اليد الطولى في الخلافيات وقدم