عالية، فعرف له ابن عبد السلام ذلك كله وأوجب حقه، فرجع لتلمسان وانتصب للتدريس وبث العلم فملأ المغرب معارف وتلامذ إلى أن اضطرب المغرب بعد واقعة القيروان، ثم ملك أبو عنان تلمسان بعد مهلك أبيه سنة ثلاث وخمسين فاختار الشريف لمجلسه العلمي مع من اختار من المشيخة ورحل به لفاس فتبرم الشريف من الغربة واشتكى، فغضب السلطان لذلك ثم بلغه أن عثمان بن عبد الرحمن سلطان تلمسان أوصاه على ولده وأودع مالًا له عند بعض الأعيان من التلمسانيين وأن الشريف عالم بذلك، فسخط على الشريف واعتقله ثم سرحه عام أول ست وخمسين وأقصاه.
ثم أعتبه بعد فتح قسنطينة فرده لمجلسه ثم هلك أبو عنان وملك أبو حمو بن عبد الرحمن تلمسان فاستدعى الشريف من فاس فسرحه الوزير القائم بالأمر عمر بن عبد اللَّه فرجع لتلمسان فتلقاه أبو حمو براحتيه وأصهر له في بنته فزوجها له وبنى له مدرسته، فقام يدرس حتى هلك سنة إحدى وسبعين، وأخبرني أن مولده عام عشرة- اهـ.
قال الونشريسي: هذا هو الصحيح في ولادته، وأما وفاته فرابع ذي الحجة من عام إحدى وسبعين، وكان شيخًا حبرًا إمامًا محققًا نظارًا، شرح جمل الخونجي وألف كتاب المفتاح في أصول الفقه- اهـ.
وممن أخذ عنه ولده أبو محمد والإمام الشاطبي وابن زمرك وإبراهيم الثغري أبو عبد اللَّه القيسي وابن خلدون وابن عباد وابن السكاك والفقيه ابن محمد ابن علي الميروفي والولي إبراهيم المصمودي وغيرهم، وذكر أبو زكريا السراج والسيلي أن مولده عام ستة عشر، وما تقدم أصح.
وبعد أن كتبت ما تقدم وقفت على جزء لبعض التلمسانيين عرف صاحبه بالشريف وولديه فلخصته في جزء سميته القول المنيف في ترجمة الإمام أبي عبد اللَّه الشريف، فلنذكر هنا بعض ما تيسر منه، قال صاحب الجزء المذكور: وكان آخر الأئمة المجتهدين ولد عام عشرة وسبعمائة فنشأ عفيفًا صينًا فتعلم العلم في صغره بأخلاق مرضية نسيج وحده وفريد عصره، انتهت إليه