إمامة المالكية بالمغرب وضربت إليه آباط الإبل شرقًا وغربًا، فهو علم علمائها ورافع لوائها.
أحيا السنة وأمات البدعة وأظهر من العلم ما بهر العقول، نجب في القرآن على ابن يعقوب فلما ظهرت نجابته أحبه خاله عبد الكريم فكان يلازمه في مجالس العلم صغيرًا، حضر يومًا مجلس أبي زيد ابن الإمام في تفسير القرآن فذكر نعيم الجنة فقال له الشريف، وهو صبي، هل يقرأ فيها العلم؟ قال له: نعم فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فقال له: لو قلت: لا لقلت لك: لا لذة فيها، فعجب منه الشيخ ودله.
ثم قيض اللَّه له الابلي بما عنده من العلوم الجزيلة والتحقيق التام فانتفع به انتفاعًا عظيمًا واعتمد عليه، ثم استفرغ وسعه في طلب العلم حتى حدث لبعضهم أنه لازمه أربعة أشهر فلم يره نزع ثوبه ولا عمامته لشغله بالنظر والبحث، فإذا غلبه النوم نام نومًا خفيفًا، فإذا أفاق لم يرجع إليه أصلًا ويفول: أخذت النفس حقها فيتوضأ، والوضوء من أخف الأشياء عليه ثم رجع للنظر، ابتدأ الإقراء وهو ابن احدى عشرة سنة.
أخذ عن ابني الإمام وكانا من أجلة العلماء، لم يكن في زمانهما أعظم منهما قدرًا ولا أعلى قدرًا، ولا أوقع عند الملوك نهيًا وأمرًا فتضلع وأخذ عن غيرهما، فذكر من تقدم وشهد له شيوخه كلهم بوفور العقل وحضور الذهن، فاتسع في العلم باعه وعظم قدره، فأقرأ العلوم في زمن شيوخه وأقبل عليه الخلق، مع سلامة العقل، جاريًا على نهج السلف، عالمًا بأيام اللَّه، مائلًا للنظر والحجة أصوليًا متكلمًا جامعًا للعلوم العقلية القديمة والحديثة.
لقي بتونس ابن عبد السلام فلازمه وانتفع به، وذكر ولده أبو محمد عبد اللَّه أنه لما حضر مجلس ابن عبد السلام جلس حيث انتهى به المجلس فتكلم الشيخ في الذكر هل هو حقيقة في ذكر اللسان؟ فقال له أبو عبد اللَّه: يا سيدي الذكر ضد النسيان ومحل النسيان القلب لا اللسان وتقرر أن الضدين يجب اتحاد محلهما فعارضه ابن عبد السلام بأن الذكر ضد الصمت والصمت