الطلبة غيرهم، يحملهم على الصدق ويبث لهم الحقائق يرتب كلًا في منزله ويحمل كلامهم على أحسن وجوهه؛ يبرزه في أحسن صورة يترك كل أحد وما يميل إليه من العلوم ويرى الكل من أبواب العادة، ويقول: من رزق في باب فليلازمه، مع كرم أخلاق قائمًا بالعدل لا يغضب، وإذا غضب قام وتوضأ. جميل العشرة بسامًا منصفًا يقضي الحوائج، سمحًا متورعًا يوسع في نفقته أهله ويصل رحمه للَّه، ويواسيهم بجرايات كثيرة من ماله، يكرم ضيفه ويقرب له ما حضر ويطعم الطلبة طيب الأطعمة، وبيته مجتمع العلماء والصلحاء.
كان أشياخه يجلونه حتى قال ابن عبد السلام: ما أظن أن في المغرب مثل هذا، وكان الابلي يقول: هو أوفر من قرأ عليّ عقلًا وأكثرهم تحصيلًا، وقال أيضًا: قرأ عليّ كثير شرقًا وغربًا فما رأيت فيهم أنجب من أربعة أبو عبد اللَّه الشريف أنجحهم عقلًا وأكثرهم تحصيلًا، وإذا أشكلت مسألة على الطلبة عند الابلي وأظهر بحث دقيق يقول: انتظروا أبا عبد اللَّه الشريف، قال له الشيخ ابن عرفة: غايتك في العلم لا تدرك، ولما سمع بموته قال: لقد ماتت بموته العلوم العقلية.
وحضر بفاس في بدايته مجلس عبد المؤمن الجناتي فاتفق بحث بأبدى فيه وجهًا بديعًا، فنظر إليه الشيخ عبد المؤمن فقال: ما ذكرته من عندك أو من نقل؟ فقال: من عندي، فسأله عن بلده ونسبه ولأي شيء جاء فقال: جئت للقراءة على الابلي فقال له: الحمد للَّه الذي وفقك ودعا له، وبحث يومًا مع أبي زيد ابن الإمام في حديث وتجاذبا فيه الكلام جوابًا واعتراضًا حتى ظهر فأنشد الشيخ:
أعلّمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني
قال الشيخ أبو يحيى المطغري: لما اجتمع العلماء عند أبي عنان أمر الفقيه العالم المقري بإقراء التفسير فامتنع منه وقال الشريف أبو عبد اللَّه أولى مني بذلك، فقال له السلطان: تعلم أنت علوم القرآن وأهل تفسيره فأقرأه قال له: إن أبا عبد اللَّه أعلم بذلك منّي، فلا يسعني الإقراء بحضرته،