للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فعجبوا من انصافه، ففسر أبو عبد اللَّه بحضرة العلماء كافة في دار السلطان ونزل عن سرير ملكه وجلس معهم على الحصير فأتى بما أدهش الحاضرين حتى قال السلطان عند فراغه: إني لأرى العلم يخرج من منابت شعره. وجاء إليه القاضي الفشتالي بعد خروجهم فطلب منه تقييد ما صدر منه ذلك اليوم فقال: إنه من كتاب كذا وكذا وذكر كتبًا معروفة عندهم، فعلم القاضي أن الحسن للشنب وأن الأمر غير مكتسب.

قال الخطيب ابن مرزوق: لما سافر أبو عبد اللَّه لتونس كرهت مفارقته ولكن حمدت اللَّه على رؤية أهل افريقية مثله من المغرب، وكان الفقيه الكبير الصالح موسى العبدوسي كبير فقفاء فاس يبحث عما يصدر من أبي عبد اللَّه من تقييد أو فتوى فيكتبه وهو أسن من أبي عبد اللَّه، وكان الفقيه المحدث القاضي أبو علي منصور بن هدية القرشي يقول: كل فقيه قرأ في زماننا هذا أخذ ما قدر له من العلم إلا أبا عبد اللَّه الشريف فإن اجتهاده يزيد، واللَّه أعلم حيث ينتهي أمره، وسمعت أبا يحيى المطغري يقول: حضرت مجلس كثير من كبار العلماء فما رأيت مثل أبي عبد اللَّه وولييه- اهـ.

ووصل في التفنن في العلوم إلى الغاية، جمع بين الحق والحقيقة، لا يشق غباره بل حظ العلماء السماع منه، فسر القرآن خمسًا وعشرين سنة بحضرة أكابر الملوك والعلماء والصلحاء وصدور الطلبة لا يتخلف منهم أحد، عالمًا بقراءته ورواياته وفنون علومه، من بيان وأحكام وناسخ ومنسوخ وغيرها، مع إمامته في الحديث وفقهه وغريبه ومتونه ورجاله وأنواع فنونه إلى الإمامة في أصول الدين قائمًا بالحق صحيح النظر، كثير الذب عن السنة وإزاحة الاشكال، متدربًا في تعليم غوامضها، حسن البسط في التأليف، ألف كتابًا في القضاء والقدر وحقق فيه مقدار الحق بأحسن تعبير عن تلك العلوم الغامضة، وإليه يفزع علماء المغرب في حل المشكلات، وجه العالم المحقق يحيى الرهوني من بلاد توزر أسئلة فأوضع مشكلها، وكان من أئمة المالكية ومجتهديهم فقيه النفس، قائمًا على الفروع والأصول ثبتًا وتحصيلًا، عالمًا بالأحكام واستنباطها، قوي الترجيح سريع النظر متورعًا في الفتوى متحريًا في مسائل الطلاق يدفعها

<<  <   >  >>