عن نفسه ما استطاع، يدرس الفقه في كثير أوقاته وغالبها يقرأ المدونة بعد التفسير حتى مات، لم ينتفع الطلبة بأحد في مصر من الأمصار ما انتفعوا به في زمانه.
وذكر بعض فقهاء فاس للسلطان أبي عنان أنه غير متبحر في الفقه حسدًا، فبعث السلطان حينئذ للفقهاء فحضروا وأمره بقراءة حديث "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم" يختبر به حاله في الفقه، فأخذ فيها من غير نظر فأول ما قال: في هذا الحديث خمس وعشرون فرقة فسردها، ثم تكلم على أخذها من الحديث وترجيح ما رجح كأنه يمليها من كتاب، فلما رأى السلطان ذلك أقبل على الطاعنين وقال لهم: هذا الذي قلتم أنه قاصر في الفقه، وكان لكلامه حلاوة ورونق وطلاوة، قوة علمه فيه ظاهرة وأنواره باهرة.
ألف في أصول الفقه مفتاح الأصول في بناء الفروع على الأصول طبق منه مسائل الفقه مع الأصول، من أعلم الناس بالعربية وعلوم الأدب نحوًا وبيانًا، حافظًا للغة والغريب والشعر والأمثال وأخبار الناس ومذاهبهم وأيام العرب وسيرها وحروبها وأخبار الصالحين وسيرهم، وإشارات الصوفية ومذاهبهم، حسن المجلس كثير الحكايات ممتع المحضر عذب الكلام منصفًا في البحث والمناظرة، كثير البسط بلا عار ولا سرف، خبيرًا بأخبار النفس وتزكيتها وتطهيرها مذللًا صعاب الأمور إمامًا في العلوم العقلية كلها منطقًا وحسابًا وفرائض وتنجيمًا وهندسة وموسيقًا وتشريحًا وفلاحة وكثيرًا من العلوم القديمة.
شرح جمل الخونجي من أجل كتب الفن، انتفع به العلماء قراءة ونسخًا وتأليفًا في المعاوضات، وكان قليل التأليف أكثر اعتنائه بالإقراء تخرج به من صدور العلماء وأعيان الفضلاء ونجباء الأولياء من لا يحصى، وكان مهيبًا محببًا، جعل اللَّه محبته في القلوب، من رآه أحبه وإن لم يعرفه، يجله الملوك فيقدمونه في مجالسهم يلاطفهم تارة ويفصح بالحق تارة وينصر المظلوم ويقضي الحوائج.
وقال لبعض اللوك، وقد أمر بضرب فقيه: إن كان عندك صغير فهو