ولما تكلم ابن رشد على هذه المسائل وشبهها اختار قول ابن كنانة ثم قال: يوجد في المذهب مسائل ليست على أصوله تنحو لمذهب أهل العراق فأنت ترى ابن رشد اختار خلاف قول ابن القاسم كما اختاره أصبغ جريًا على أصل المذهب ولم يبالوا بقضاء مالك لابن القاسم لما رأوه خارجًا عن أصول مذهبه حتى قال ابن رشد: إن في المذهب مسائل ليست على أصوله، أترى من خالف في تلك المسائل جريًا منه على قواعد المذهب ومداركه يعد شاقًا لإمام تلك المذهب؟ كلا بل هو أولى بالاتفاق وأحق بالتقليد، وقولكم: اتفق أهل الأصول على عدم العمل بمقتضى الولين المتضادين اللذين لا يعلم المتأخر منهما، فلا أعرف في كتبهم إلا في المقلد تفريعًا على أن أحدهما مرجوع عنه، قالوا: لا يعمل بواحد حتى يظهر المتأخر وقد قدمنا أن مجتهد المذهب لا ينظر في ترجيح أحدهما فيعمل بما يوافق المذهب كفعل المجتهد في أقوال الشارع.
وبينا أن قولي الإمام ليسا كنسب الناسخ والمنسوخ بما لا مزيد عليه، وقولكم: إن الضرورة داعية إلى العمل بمثله ذلك وإلا بطل معظم الفقه قلنا: كان ماذا وأين هذه الضرورة من وجوب التوقف في أقوال الشارع إذا لم يعلم المتأخر؟ إذ لا يعمل بواحد منهما قبل التبين وقولكم في مستند الأخذ بها إن مالكًا لم يقل بكل إلا بدليل، فلنأخذ به من حيث ذلك الدليل.
قلنا: لا يصح هذا المسند عند من يقول إن القولين كدليلين نسخ أحدهما الآخر ولم يعلم الناسخ ولا اعتبار للدليل مع نسخه، نعم إنما يتم ذلك المستند على ما أصلناه من أن الشارع رافع وواضع، والإمام بان على دليله وتابع.
وقولكم: إن غالب أقوال مالك أخذ بها أصحابه فنعمل بها من حيث اجتهادهم فأين هذا من قولكم أولا أنهم يعملون بها مع تقليد صاحبها اللهم إلا أن يحقق بما ذكرنا من عمل أصحابه بأول أقواله، بناء على اعتقادهم جريه على قواعده وأصوله، فلم يزالوا في ذلك التقليد وإن اجتهدوا في المذهب، وأما إن عملوا به بناء على الاجتهاد المطلق فقد بطلت وحدة الإمام ولزم