نزلاء إلى مدين بالعباد متوارثين تربته من زمن جدهم خادمه في حياته وجده الخامس والسادس أبو بكر بن مرزوق معروف بالولاية فيهم، وولد صاحب الترجمة، على ما أخبرني، عام عشرة وسبعمائة ورحل مع والده للشرق سنة ثمان عشرة وسمع ببجاية على ناصر الدين، ولا جاور أبوه بالحرمين رجع هو للقاهرة فأقام وقرأ على البرهان السفاقسي وأخيه وبرع في الطلب والرواية، وكان يجيد الخطين، ورجع سنة ثلاث وثلاثين للمغرب ولقي السلطان أبا الحسن محاصرًا لتلمسان وقد بنى مسجدًا عظيمًا بالعباد.
وكان عمه محمد بن مرزوق خطيبًا به على عادتهم، وتوفى فولاه السلطان خطابة ذلك المسجد مكان عمه، وسمعته يشيد بذكره في خطبته ويثني عليه فقربه، وهو مع ذلك يلازم ابني الإمام ويلقى أكابر الفضلاء ويأخذ عنهم، وحضر معه وقعة طريف وأرسله للأندلس وفشتالة في الصلح وفك ولده المأسور ورجع بعد وقعة القيروان مع زعماء النصارى وافدين على أبي عنان بفاس مع أمه حظية أبي الحسن، ثم رجع لتلمسان وأقام بالعباد وبها يومئذ أبو سعيد عثمان وأخوه أبو ثابت والسلطان أبو الحسن بالجزائر وقد حشد هناك فأرسل أبو سعيد بن مرزوق إليه سرًا في الصلح، فلما أطلع أبو ثابت على الخبر أنكره على أخيه فبعثوا من حبس ابن مرزوق ثم أجازوه البحر للأندلس فنزل على أبي الحجاج سلطان غرناطة فقربه واستعمله على الخطبة بجامع الحمراء فبقي عليها حتى استدعاه أبو عنان سنة أربع وخمسين بعد مهلك أبيه واستيلائه على تلمسان وأعمالها فنظمه في أكابر أهل مجلسه، ثم بعثه لتونس عام ثمان ليخطب له بنت السلطان أبي يحيى فردت الخطبة ووشى لأبي عنان أنه مطلع على مكانها وسخطه وأمر بسجنه فسجن مدة ثم أطلقه قبل موته.
ولما تولى أبو سالم آثره وجعل الأمور بيده فوطيء الناس عقبه وغشي أشراف الدولة بابه وصرفوا إليه الوجوه، فلما وثب الوزير عمر بن عبد اللَّه بالسلطان آخر اثنين وستين حبس ابن مرزوق ثم أطلقه بعد طلب كثير من أهل الدولة قتله فمنعه منهم ولحق بتونس سنة أربع وستين ونزل على السلطان أبي إسحاق وصاحب دولته أبي محمد بن تافراكين. فأكرموه وولوه خطابة جامع