التلمساني، والإمام علامة وقته بإجماع أبو عبد اللَّه المقري، وقطب الدائرة شيخ الشيوخ الجلة الإمام الشهير أبو سعيد بن لب، والإمام الجليل الرحلة الخطيب أبو جعفر الشقوري، وممن اجتمع معه واستفاد منه العالم الحافظ الفقيه أبو العباس القباب والمفتي المحدِّث أبو عبد اللَّه الحفار وغيرهم.
اجتهد وبرع وفاق الأكابر والتحق بكبار الأئمة في العلوم وبالغ في التحقيق، وتكلم مع كثير من الأئمة في مشكلات المسائل من شيوخه وغيرهم كالقباب وقاضي الجماعة الفشتالي والإمام ابن عرفة والولي الكبير أبي عبد اللَّه بن عباد، وجرى له معهم أبحاث ومراجعات أجلت عن ظهوره فيها وقوة عارضته وإمامته، منها: مسألة مراعاة الخلاف في المذهب. له فيها بحث عظيم مع الإمامين القباب وابن عرفة، وله أبحاث جليلة في التصوف وغيره، وبالجملة فقدره في العلوم فوق ما يذكر، وتحليته في التحقيق فوق ما يشهر.
ألَّف تآليف نفيسة اشتملت على تحريرات للقواعد وتحقيقات لمهمات الفوائد، منها شرحه الجليل على الخلاصة في النحو في أسفار أربعة كبار لم يؤلف عليها مثله بحثًا وتحقيقًا، فيما أعلم، وكتاب "الموافقات" في أصول الفقه كتاب جليل القدر لا نظير له يدل على إمامته، وبعد شأوه في العلوم سيما علم الأصول. قال الإمام الحفيد ابن مرزوق:"كتاب الموافقات المذكور من أقبل الكتب"- اهـ. وهو في سفرين. وتأليف نفيس في الحوادث، والبدع في سفر، في غاية الإجادة، وكتاب المجالس شرح فيه كتاب البيوع من صحيح البخاري، فيه من الفوائد والتحقيقات ما لا يعلمه إلا اللَّه، وكتاب الإفادات والإنشادات في كراسين فيه طرف وتحف ومُلح أدبيات وإنشادات، وله أيضًا كتاب عنوان الاتفاق في علم الاشتقاق، وكتاب أصول النحو، وقد ذكرهما معًا في شرح الألفية. ورأيت في موضع آخر أنه أتلف الأول في حياته وأن الثاني أُتلف أيضًا، وله غيرها وفتاوى كثيرة، ومن شعره لما ابتلي بالبدع:
بُليتُ يا قومُ والبلوى منوعةٌ ... بمن أداريهِ حتى كادَ يرديني
دفعُ المضرةِ لا جلبٌ لمصلحةٍ ... فحسبي اللَّه في عقلي وفي ديني