للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

في صغره مشهورًا بالجد والاجتهاد والمطالعة والمذاكرة، لازم الشيوخ الجلة، أخذ عن الإمام ابن عبد السلام القراءات العشر والحديث ولازمه كثيرًا وأخذ عنه علمًا غزيرًا، والفرائض على الشيخ السطي والعلوم العقلية على ابن اندراس والابلي وابن الحباب، والنحو والمنطق والجدل على ابن الحباب والحساب وسائر العقول على الابلي وكان يثني عليه، وقرأ بالسبع على ابن سلامة، والفقه على ابن عبد السلام وابن قداح وابن هارون والسطي، وأما جدّه واجتهاده في الطاعات من صلاة وصيام وصدقة فيقال: إنه بلغ درجة كثير من التابعين، وحكاية حاله في ذلك تحتاج لتأليف. ألّف تآليف العجيبة كمختصره الفقهي، لم يسبق به في تهذيبه وجمعه وأبحاثه الرشيقة وحدوده الأنيقة، وتأليفه في المنطق فيه من القواعد والفوائد، على صغر جرمه، ما يعجز عنه الفحول، وتأليفه في الأصلين وغيرهما من املآته الحديثية والقرآنية والحكم الشرعية، وكان مسعودًا في دنياه مرضيًا عنه في أخراه، مع طول عمره هابته الملوك وقامت بحقه، ومن سعادته أنه لم يتل بتولية القضاء مع قدرته على تحصيله حفظًا من اللَّه تعالى له، تولى إمامة الجامع الأعظم سنة خمسين وسبعمائة وقدم لخطابته عام اثنين وسبعين وللفتوى عام ثلاثة وسبعين، ولم يقع له عذر في صلاة من الصلوات إلا زمن أمراضه الثلاثة وزمن خروجه في مصلحة المسلمين بعثه الملك الهمام أبو العباس، جمع اللَّه له خيري الدنيا والآخرة، كان، رحمه اللَّه، وليًا صالحًا ذكيًا قدوة سنيا عارفًا محققًا، صاحب سعدة، نهاية في المنقول والمعقول بقية الراسخين آخر المتعبدين، تواتر هديه وغزارة علمه وقوة فهمه، ألقى اللَّه محبته في القلوب، شيخ كثير من شيوخنا، وكان شيوخنا الآخذون عنه يقفون عند حده معظمين لقدره مسلمين لفهمه، وتلقينا عنهم كراماته ومحاسنه وحسن دينه وطريقته، وكتبه جامعة مانعة شافية مبرز الفقهاء قل من يفك رموزه ويفهمها، يتفاخرون بذلك خلفًا عن سلف -اهـ- كلام الرصاع ملخصًا.

قال القاضي ابن الأزرق: ووقفت في مكتوب لابن عرفة وفيه أنه قرأ على ابن الحباب جملة من كتاب سيبويه قراءة بحث وتحقيق، وجملة من

<<  <   >  >>