ارتدى من العفة والمسكنة أزين رداء، وأخذ بيده من النزاهة أقوى لواء مع سكينة ووقار وحسن أخلاق سهلة الورود والإصدار فألقى له المحبة في القلوب كافة وأثنوا عليه بلسان واحد إلى الغاية، فلا ترى إلا محبًا له مادحًا ومثنيًا بالخير صادقًا اتفق على هديه الألسنة وائتلفت عليه الأفئدة، طويل الروح في التعليم لا يأنف من مبتدئ ولا بليد.
أفنى فيه عمره مع تشبته بحوائج العامة وأمور القضاة إذ لم يصيبوا عنه بديلًا ولا نالوا له مثيلًا، طلب من جهة السلطان بتولية قضاء محل السلطنة فأنف منه وامتنع وأعرض عنه واستشفع فخلصه اللَّه تعالى، لازم الإقراء لاسيما بعد موت سيدي أحمد بن سعيد، أدركته أنا يقرئ من صلاة الصبح أول وقته إلى الضحى الكبيرة دولًا مختلفة ثم يقوم لبيته ويصلي الضحى مدة وربما مشى بعدها للقاضي في أمر الناس ويصلح بين الناس، ثم يقرأ في بيته وقت الزوال ثم يصلي الظهر بالناس ويدرس إلى العصر ثم يصليها ويذهب إلى موضع آخر يدرس فيه إلى الاصفرار أو قرابه وإذا صلى المغرب درس في الجامع إلى العشاء ثم رجع لبيته، وسمعت أنه يحيي آخر الليل دائمًا.
وكان مع ذلك محققًا دراكًا ذكيًا فطنًا غواصًا على اللطائف حاضر الجواب سريع الإدراك وجودة الفهم معروفًا بذلك، أخذ العربية والفقه على أبيه القاضي الصالح محمود وعلى خاله الفقيه الصالح ثم رحل لتنبكت مع أخيه الفقيه الصالح أحمد فلازما الفقيه أحمد بن سعيد في المختصر ثم حجا مع خالهما فلقوا بمصر الناصر اللقاني والتاجوري والزين البحيري والشريف يوسف والبرهمتوشي الحنفي، والشيخ الإمام ولي اللَّه محمد البكري وغيرهم فحصّلا هناك ما حصّلا.
ثم رجعا بعد أداء فريضة الحج وموت خالهما فاستوطنا تنبكت فأخذا أيضًا عن ابن سعيد الفقه والحديث وقرأ عليه المدونة والموطأ والمختصر وغيرها ولازماه، وعلى السيد الوالد أحمد بن أحمد الأصول والبيان والمنطق فقرأ عليه أصول السبكي والتلخيص.