فالكتاب مقدّم لمن يعرف قيمته في صورته الإجمالية، وينصف كاتبه باعتباره أحد البارزين في هذا الميدان. وهو فوق ذلك جانب من تاريخنا الثقافي بأضوائه وظلاله، نقدمه للدارسين من أجل بحث النسيج الكون لثقافتنا العامة بمفهومها الواسع، من عادات وتقاليد وآداب وقيم، ومعتقدات.
ولا يخفى ما في الكتاب من شطحات صوفية مخالفة لمنطق العقل وظاهر الشريعة، ومبالغات أخرى ليس من بقائها بدٌ لأنها من محتويات النص الأصلي، ولم نر ضرورة للتعليق عليها منفردة في مواضعها، فأثبتنا هنا إشارة عامة، يدركها عند المطالعة القارئ العابر، بله الناقد الحصيف.
ومما قد يؤخذ على المؤلف، ولا يمكن تتبعه داخل الكتاب تصرفه في الاقتباسات تصرفًا ظاهرًا ينحو فيه غالبًا منحى الاختصار، وقد يهدف إلى تغيير الأسلوب أو تصويب العبارة، ويكون في النادر مخلًا بالمعنى مسيئًا إلى الخبر المنقول.
على أن الكتاب ذو أهمية قصوى في نواح بعينها من اهتمامات الباحثين العاصرين، فهو جدير بمراجعة المهتمين بطرق التدريس وتطورها والمعتنين بالتاريخ العام شمال وغرب افريقيا الأندلس والراصدين لطبيعة الحياة الاقتصادية والاجتماعية في هذه المناطق.
هذا، فضلًا عن عنايته بالحياة العقلية في فترات مجهولة من تاريخنا، وتركيزه على ما اعتراها من تأثيرات علمية أو صوفية أو أدبية، وما انتابها من هزات بفعل الانقلاب الحضاري الكبير الذي حل بها بعد القرن الثامن الهجري.
نرجو أن يجد فيه كل هؤلاء المهتمن غايتهم واللَّه المستعان على الكمال.