فمسك المترجم لحيته بيده وبكى، وقال: إلهي لا تفضح هذه الشّيبة بين عبادك، فخرج في الحال سحاب أسود من جهة المغرب بعد أن كانت السّماء نقيّة من أوّل الشّتاء، لم ير فيها غيم، ولم يزل الغيم يتراكم، وبعد المغرب انفتحت أبواب السّماء بماء منهمر، ودام المطر ثلاثة أيّام بلياليها بكثرة، وانفرج الكرب. وله كرامات كثيرة، وصدقات سرّيّة على طلبة العلم والصّالحين، وكسبه من الحلال الصّرف في التّجارة، مع التزام العقود الصّحيحة، حتّى في سنة ١١١٥، كان واليا بدمشق محمّد باشا ابن كرد بيرم فأرسل إليه من طرف الدّولة العليّة أن يضبط بعلبكّ والعائد منها ويرسله إلى طرفهم لكونها كانت في يد شيخ الإسلام المولى فيض الله مفتي الدّولة فحين قتل صارت للخزينة السّلطانيّة/ العائد منها، حتّى الحرير فطرحوه على التّجّار بدمشق، ومنهم الشّيخ سليمان أخو المترجم، فذهب جماعة من التّجّار إلى صاحب التّرجمة وترجّوا منه أن يذهب إلى الباشا في رفع هذه المظلمة فأرسل إليه ورقة مع خادمه فوجد عنده محمّد أغا التّرجمان، أحد أعيان دمشق، وباش جاويش وغيرهما فأخبروه بمقام الشّيخ وعرّفوه بحاله من النّسك والعبادة، والعلم والولاية، فلمّا تحقّق ذلك رفعها عن التّجّار، وكان قصده أوّلا أن يأخذ من الشّيخ مالا لما يسمع عنده من الثّروة، ووقع عليه التّجّار مرّة فأرسل إلى الباشا ورقة أخرى وذكر أنّ الرّعيّة لا تحمّل الظّلم فإمّا أن ترفع هذه المظلمة، وإمّا أن نهاجر من هذه البلدة، والجمعة لا تنعقد عندكم، وأيضا الحرير للسّلطان لا لك، وزاد على ذلك في الورقة، فرفع الباشا المظلمة ولم يمكنه مخالفة الشّيخ، وكان لا يخاف في الله لومة لائم، ولا يهاب الوزراء