وأخبرني بعض الطّلبة الّذين أدركتهم عن بعض تلامذته. قال: كنت إذا خرجت من بيتي للدّرس أشرع في قراءة بعض محفوظاتي فكنت أقرأ «الرّحبيّة» أو «الجزريّة» في طريقي إلى أن أصل إلى قرية الشّيخ، وكان ذا همّة في العلم عليّة، وقوّة عليه قويّة، تزداد رغبته في العلم كلّما طعن في السّنّ، ولا يضجر من كثرة الدّروس والمباحثة والمذاكرة والمراجعة، كثير الإدمان على النّسخ، فكتب بخطّه المتوسّط في الحسن الفائق في الضّبط ما لا يحصى كثرة من كتب التّفسير والحديث وكتب الفقه الكبار وغيرها بحيث إنّي لم أر ولم أسمع منذ أعصار بمن يضاهيه أو يقاربه في كثرة ما كتب، فممّا رأيته بخطّه بعد تفرّق كتبه وتشتّتها في البلدان القريبة والبعيدة «تفسير البغويّ» و «الإتقان» و «القاموس» و «قواعد ابن رجب» و «الغاية» و «شرح الإقناع» و «متنه» و «شرح المنتهى» للشّيخ منصور و «متنه» عدّة نسخ، و «حاشية الإقناع» و «حاشية المنتهى» وغير ذلك سوى الرّسائل، والمجاميع، والتّآليف الصّغار، هذا الّذي رأيته وهو قليل من كثير، وأوّل ما رأيته بخطّه سنة ١٠٩٣، ولعلّ له شيئا قبله فأظنّ ولادته فيحدود سنة ١٠٧٥، وتوفّي سنة ١١٦١ في القرية المذكورة وقبره يزار إلى الآن في مقبرتها لشهرته هناك، وبركة آثاره وعلومه، وكان قد أوصى اثنين من أخصّاء تلامذته بأبيات منها في حفظي قوله:
أقيما على قبري إذا دفنتما … ورشّيتما بالماء تربا مسنّما
ونادى على رأسي بتلقين حجّتي … ولا تنسيا ذكري إذا ما ختمتما